حياكم الله في
موقع مشروع حفاظ السنة
اخْتَارَهَا الشَّيْخُ: عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِالعَزِيزِ ابْنِ سَحْمَانَ
المُتَوَفَّى سَنَةَ ( 1431 هـ ) $
شِفَاءُ الجَهْلِ وَأَقْسَامُ العِلْمِ
وَالجَهْلُ دَاءٌ قَاتِلٌ وَشِفَاؤُهُ
أَمْرَانِ فِـي الـتَّـرْكِـيبِ مُتَّـفِقَانِ
نَصٌّ مِنَ القُرْآنِ أَوْ مِنْ سُنَّةٍ
وَطَبِيبُ ذَاكَ العَالِمُ الرَّبَّانِـي
وَالعِلْمُ أَقْسَامٌ ثَلَاثٌ مَا لَهَا
مِنْ رَابِـعٍ وَالحَـقُّ ذُو تِـبْـيَانِ
عِلْـمٌ بِأَوْصَـافِ الإِلَـٰهِ وَفِعْلِـهِ
وَكَذَلِكَ الأَسْمَاءُ لِلرَّحْمَنِ
وَالأَمْرُ وَالنَّهْيُ الَّذِي هُوَ دِينُهُ
وَجَـزَاؤُهُ يَـوْمَ المَعَـادِ الثَّانِـي
وَالكُلُّ فِي القُرْآنِ وَالسُّنَنِ الَّتِي
جَاءَتْ عَنِ المَبْعُوثِ بِالفُرْقَانِ
وَاللَّهِ مَا قَالَ امْرُؤٌ مُتَحَذْلِقٌ
بِسِوَاهُمَا إِلَّا مِنَ الهَذَيَانِ
شَهَادَةُ أَلَّاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ
شَهِدْتُ بِأَنَّ اللهَ جَلَّ جَلَالُهُ
مُتَفَرِّدٌ بِالمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ
هُوَ الإِلَـٰـهُ الحَـقُّ لَا مَعْبُـودَ إِلْـ
ـلَا وَجْهُهُ الأَعْلَى العَظِيمُ الشَّانِ
بَلْ كُـلُّ مَعْـبُودٍ سِوَاهُ فَـبَـاطِـلٌ
مِنْ عَرْشِهِ حَتَّى الحَضِيضِ الدَّانِي
وَعِبَـادَةُ الرَّحْـمَـٰنِ غَـايَـةُ حُبِّـهِ
مَعَ ذُلِّ عَابِدِهِ هُمَا قُطْبَانِ
وَعَلَيْهِمَا فَلَكُ العِبَادَةِ دَائِرٌ
مَا دَارَ حَتَّى قَامَتِ القُطْـبَانِ
وَمَدَارُهُ بِالأَمْرِ أَمْرِ رَسُولِهِ
لَا بِالهَوَى وَالنَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ
فَقِيامُ دِينِ اللهِ بِالإِخْلَاصِ وَالْـ
إِحْسَـانِ إِنَّـهُمَا لَـهُ أَصْـلَانِ
لَمْ يَنْجُ مِنْ غَضَبِ الإِلَـٰهِ وَنَارِهِ
إِلَّا الَّذِي قَامَتْ بِهِ الأَصْلَانِ
وَالنَّـاسُ بَعْـدُ فَمُشْرِكٌ بِإِلَــٰهِـهِ
أَوْ ذُو ابْتِدَاعٍ أَوْ لَهُ الوَصْفَانِ
وَاللهُ لَا يَـرْضَى بِكَثْـرَةِ فِعْلِـنَا
لَكِـنْ بِأَحْسَنِـهِ مَـعَ الإِيمَـانِ
فَالعَـارِفُونَ مُـرَادُهُمْ إِحْسَانُـهُ
وَالجَاهِلُونَ عَمُوا عَنِ الإِحْسَانِ
هِجْرَةُ القَلْبِ
وَاجْعَلْ لِقَلْبِكَ هِجْرَتَيْنِ وَلَا تَنَمْ
فَهُمَا عَلَى كُلِّ امْرِئٍ فَرْضَانِ
فَالهِجْرَةُ الأُولَى إِلَى الرَّحْمَـٰنِ بِالْـ
إِخْلَاصِ فِي سِرٍّ وَفِي إِعْلَانِ
فَالقَصْدُ وَجْهُ اللهِ بِالأَقْوَالِ وَالْـ
أَعْمَالِ وَالطَّاعَاتِ وَالشُّكْـرَانِ
فَبِذَاكَ يَنْجُو العَبْدُ مِنْ إِشْرَاكِهِ
وَيَصِيرُ حَقّاً عَابِدَ الرَّحْمَـٰنِ
وَالهِجْرَةُ الأُخْرَى إِلَى المَبْعُوثِ بِالْـ
ـحَقِّ المُبِينِ وَوَاضِحِ البُرْهَانِ
فَـيَدُورُ مَعْ قَوْلِ الرَّسُولِ وَفِعْلِهِ
نَفْياً وَإِثْبَاتاً بِلَا رَوَغَانِ
تَوْحِيدُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ
تَوْحِيدُهُمْ نَوْعَانِ قَوْلِيٌّ وَفِعْـ
ـلِيٌّ كِلَا نَوْعَيْـهِ ذُو بُـرْهَانِ
فَالأَوَّلُ القَوْلِيُّ ذُو نَوْعَيْنِ أَيْـ
ـضاً فِـي كِتَابِ اللهِ مَوْجُودَانِ
إِحْدَاهُمَا سَلْبٌ وَذَا نَوْعَانِ أَيْـ
ـضاً فِي كِتَابِ اللهِ مَذْكُورَانِ
سَلْبُ النَّـقَائِصِ وَالعُيُوبِ جَمِيعِهَا
عَنْهُ هُمَا نَوْعَانِ مَعْقُولَانِ
سَلْبٌ لِمُتَّصِلٍ وَمُنْفَصِلٍ هُمَا
نَوْعَانِ مَعْرُوفَانِ أَمَّا الثَّانِي
سَلْبُ الشَّرِيكِ مَعَ الظَّهِيرِ مَعَ الشَّفِيـ
ـعِ بِدُونِ إِذْنِ الخَالِقِ الدَّيَّانِ
وَكَذَاكَ سَلْبُ الزَّوْجِ وَالوَلَدِ الَّذِي
نَسَبُوا إِلَيْهِ عَابِدُو الصُّلْبَانِ
وَكَذَاكَ نَفْيُ الكُفْءِ أَيْضاً وَالوَلِيْـ
ـيِ لَـنَا سِوَى الرَّحْمَـٰنِ ذِي الغُفْرَانِ
وَالأَوَّلُ التَّنْزِيهُ لِلرَّحْمَنِ عَنْ
وَصْفِ العُيُوبِ وَكُلِّ ذِي نُقْصَانِ
كَالمَوْتِ وَالإِعْيَاءِ وَالتَّعَبِ الَّذِي
يَنْفِي اقْتِدَارَ الخَـالِقِ الدَّيَّـانِ
والنَّوْمِ وَالسِّنَةِ الَّتِي هِيَ أَصْلُهُ
وَعُزُوبِ شَيْءٍ عَنْهُ فِي الأَكْوَانِ
وَكَذَلِكَ العَـبَثُ الَّذِي تَنْـفِيـهِ حِكْـ
ـمَتُهُ وَحَمْدُ اللهِ ذِي الإِتْـقَانِ
وَكَذَاكَ تَـرْكُ الخَلْقِ إِهْمَالاً سُدًى
لَا يُبْعَثُونَ إِلَى مَعَادٍ ثَانِ
كَلَّا وَلَا أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ عَلَيْـ
ـهِـمْ مِـنْ إِلَـٰـهٍ قَــادِرٍ دَيَّــانِ
وَكَذَاكَ ظُلْمُ عِبَادِهِ وَهُوَ الغَنِـيْـ
ـيُ فَمَا لَـهُ وَالظُّـلْمُ لِلْإِنْسَانِ
وَكَذَاكَ حَاجَتُـهُ إِلَى طُعْمٍ وَرِزْ
قٍ وَهْــوَ رَزَّاقٌ بِـلَا حُسْـبَـانِ
هَذَا وَثَانِي نَوْعَيِ السَّلْبِ الَّذِي
هُوَ أَوَّلُ الأَنْوَاعِ فِي الأَوْزَانِ
تَنْزِيهُ أَوْصَافِ الكَمَالِ لَهُ عَنِ التْـ
ـتَشْبِيـهِ وَالتَّمْثِـيلِ وَالنُّـكْرَانِ
لَسْنَا نُشَبِّهُ وَصْفَهُ بِصِفَاتِنَا
إِنَّ المُشَبِّهَ عَابِدُ الأَوْثَانِ
كَلَّا وَلَا نُخْلِيهِ مِنْ أَوْصَافِهِ
إِنَّ المُعَطِّلَ عَابِدُ البُهْتَانِ
مَـنْ مَثَّـلَ اللَّهَ العَظِـيمَ بِخَلْقِـهِ
فَهْوَ النَّسِيبُ لِمُشْرِكٍ نَصْرَا نِي
أَوْ عَطَّـلَ الرَّحْمَـٰنِ مِنْ أَوْصَافِهِ
فَهُوَ الكَفُورُ وَلَيْسَ ذَا إِيمَانِ
النَّوْعُ الثَّانِي مِنَ التَّوْحِيدِ القَوْلِيِّ هُوَ الثُّبُوتِيُّ
هَذَا وَمِنْ تَوحِيدِهِمْ إِثْـبَاتُ أَوْ
صَافِ الكَمَالِ لـرَبِّـنَا الرَّحْمَـٰنِ
كَعُلُـوِّهِ سُبْحَانَـهُ فَـوْقَ السَّمَا
وَاتِ العُلَى بَلْ فَوْقَ كُـلِّ مَكَانِ
فَهُوَ العَلِيُّ بِذَاتِهِ سُبْحَانَهُ
إِذْ يَسْتَحِيلُ خِلَافُ ذَا بِبَـيَانِ
وَهُوَ الَّذِي حَقًّا عَلَى العَرْشِ اسْتَـوَى
قَدْ قَامَ بِالتَّدْبِيرِ لِلْأَكْوَانِ
حَيٌّ مُرِيدٌ قَادِرٌ مُتَكَلِّمٌ
ذُو رَحْمَةٍ وَإِرَادَةٍ وَحَنَانِ
هُوَ أَوَّلٌ هُوَ آخِـرٌ هُوَ ظَاهِـرٌ
هُوَ بَاطِـنٌ هِيَ أَرْبَـعٌ بِـوِزَانِ
مَا قَبْلَهُ شَيْءٌ كَذَا مَا بَعْدَهُ
شَيْءٌ تَعَالَى اللَّهُ ذُو السُّلْطَانِ
مَا فَوْقَهُ شَيْءٌ كَذَا مَا دُونَهُ
شَيْءٌ وَذَا تَفْسِيرُ ذِي البُـرْهَانِ
فَانْظُرْ إِلَى تَفْسِيرِهِ بِتَدَبُّرٍ
وَتَبَصُّرٍ وَتَعَقُّلٍ لِمَعَانِ
وَانْظُرْ إِلَى مَا فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ مَعْـ
ـرِفَةٍ لِخَالِقِنَا العَظِيمِ الشَّانِ
وَهُوَ العَلِيُّ فَكُلُّ أَنْوَاعِ العُلُوْ
وِ فَـثَـابِـتَـةٌ بِـلَا نُـكْـرَانِ
وَهُوَ العَظِيمُ بِكُلِّ معْنًى يُوجِبُ التْـ
ـتَـعْظِـيمَ لَا يُحْصِيـهِ مِنْ إِنْسَانِ
وَهُوَ الجَلِيلُ فَكُلُّ أَوْصَافِ الجَلَا
لِ لَهُ مُحَقَّقَةٌ بِلَا بُطْلَانِ
وَهُوَ الجَمِيلُ عَلَى الحَقِيقَةِ كَيْفَ لَا
وَجَمَالُ سَائِرِ هَذِهِ الأَكْوَانِ
مِنْ بَعْضِ آثَارِ الجَمِيلِ فَرَبُّـهَا
أَوْلَى وَأَجْدَرُ عِنْـدَ ذِي العِرْفَانِ
فَجَمَالُهُ بِالذَّاتِ وَالأَوْصَافِ وَالْـ
أَفْعَـالِ وَالأَسْمَـاءِ بِالبُـرْهَانِ
لَا شَيْءَ يُشْبِهُ ذَاتَهُ وَصِفَاتِهِ
سُبْحَانَهُ عِنْ إِفْكِ ذِي البُهْتَانِ
وَهُوَ المَجِيدُ صِفَاتُهُ أَوْصَافُ تَعْـ
ـظِيمٍ فَشَأْنُ الوَصْفِ أَعْظَمُ شَانِ
وَهُوَ السَّمِيعُ يَرَى وَيَسْمَعُ كُلَّ مَا
فِي الكَوْنِ مِنْ سِرٍّ وَمِنْ إِعْلَانِ
وَلِكُلِّ صَوْتٍ مِنْهُ سَمْعٌ حَاضِرٌ
فَالسِّرُّ وَالإِعْلَانُ مُسْتَوِيَانِ
وَالسَّمْعُ مِنْهُ وَاسِعُ الأَصْوَاتِ لَا
يَخْفَى عَلَيْهِ بَعِيدُهَا وَالدَّانِي
وَهُوَ الـبَصِيرُ يَـرَى دَبِيبَ النَّمْلَةِ السْـ
ـسَوْدَاءِ تَحْتَ الصَّخْرِ وَالصَّوَّانِ
النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ تَوْحِيدِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ هُوَ الفِعْلِيُّ
وَيَرَى مَجَارِيَ القُوتِ فِي أَعْضَائِهَا
وَيَـرَى نِيَـاطَ عُرُوقِـهَا بِعِـيَانِ
وَيَرَى خِيَانَاتِ العُيُونِ بِلَحْظِهَا
وَيَرَى كَذَاكَ تَقَلُّبَ الأَجْفَانِ
وَهُوَ العَلِيمُ أَحَاطَ عِلْماً بِالَّذِي
فِي الكَوْنِ مِنْ سِرٍّ وَمِنْ إِعْلَانِ
وَبِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمُهُ سُبْحَانَهُ
فَهُوَ المُحِيطُ وَلَيْسَ ذَا نِسْيَانِ
وَكَذَاكَ يَعْلَمُ مَا يَكُونُ غَداً وَمَا
قَدْ كَانَ وَالمَوْجُودَ فِي ذَا الآنِ
وَكَذَاكَ أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْـ
ـفَ يَكُونُ ذَاكَ الأَمْرُ ذَا إِمْـكَـانِ
هَذَا وَثَانِـي نَوْعَيِ التَّوْحِيدِ تَوْ
حِيدُ العِبَادَةِ مِنْكَ لِلرَّحْمَنِ
أنْ لَا تَـكُونَ لِغَيْـرِهِ عَبْـداً وَلَا
تَعْـبُـدْ بِغَيْـرِ شَرِيعَةِ الإِيمَانِ
فَـتَـقُومَ بِالإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ وَالْـ
إِحْسَانِ فِي سِرٍّ وَفِـي إِعْلَانِ
وَالصِّدْقُ وَالإِخْلَاصُ رُكْنَا ذَلِكَ التْـ
ـتَوْحِيدِ كَالرُّكْـنَـيْنِ لِلْبُنْـيَانِ
وَحَقِيقَةُ الإِخْلَاصِ تَوْحِيدُ المُرَا
دِ فَلَا يُزَاحِمُهُ مُرَادٌ ثَانِي
لَكِنْ مُرَادُ العَبْـدِ يَبْـقَى وَاحِداً
مَا فِيـهِ تَفْرِيقٌ لَـدَى الإِنْسَانِ
إِنْ كَانَ رَبُّكَ وَاحِداً سُبْحَانَهُ
فَاخْصُصْهُ بِالتَّوْحِيدِ مَعْ إِحْسَانِ
إِنْ كَانَ رَبُّكَ وَاحِداً أَنْشَاكَ لَمْ
يُشْرِكْـهُ إِذْ أَنْشَاكَ رَبٌّ ثَانِـي
فَكَذَاكَ أَيْضاً وَحْدَهُ فَاعْبُدْهُ لَا
تَعْبُـدْ سِوَاهُ يَـا أَخَا العِرْفَانِ
وَالصِّدْقُ تَوْحِيدُ الإِرَادَةِ وَهْوَ بَذْ
لُ الجُهْدِ لَا كَسِلاً وَلَا مُتَـوَانِي
وَالسُّنَّـةُ المُثْـلَى لِسَالِكِهَا فَـتَوْ
حِيدُ الطَّرِيقِ الأَعْظَمِ السُّلْطَانِي
فَلِوَاحِدٍ كُنْ وَاحِداً فِي وَاحِدٍ
أَعْنِـي سَبِيلَ الحَقِّ وَالإِيمَانِ
هَذِي ثَلَاثٌ مُسْعِدَاتٌ لِلَّذِي
قَـدْ نَالَـهَا وَالفَضْـلُ لِلْمَنَّـانِ
فَإِذَا هِيَ اجْتَمَعَتْ لِنَفْسٍ حُرَّةٍ
بَلَغَتْ مِنَ العَلْـيَاءِ كُـلَّ مَكَانِ
الشِّرْكُ المُنَافِي لِلتَّوْحِيدِ
وَالشِّرْكَ فَاحْذَرْهُ فَشِرْكٌ ظَاهِرٌ
ذَا القِسْمُ لَيْسَ بِقَابِلِ الغُفْرَانِ
وَهُوَ اتِّخَاذُ النِّدِّ لِلرَّحْمَنِ أَيْـ
ـياً كَانَ مِنْ حَجَرٍ وَمِنْ إِنْسَـانِ
يَدْعُوهُ أَوْ يَرْجُوهُ ثُمَّ يَخَافُهُ
وَيُحِبُّهُ كَمَحَبَّةِ الدَّيَّانِ
وَاللهِ مَا سَاوَوْهُمُ بِاللهِ فِي
خَلْقٍ وَلَا رِزْقٍ وَلَا إِحْسَانِ
فَاللهُ عِنْـدَهُمُ هُوَ الخَلَّاقُ وَالرْ
رَزَّاقُ مُولِي الفَضْلِ وَالإِحْسَانِ
لَـكِنَّـهُمْ سَـاوَوْهُـمُ بِاللهِ فِـي
حُبٍّ وَتَعْظِـيمٍ وَفِـي إِيمَـانِ
جَعَلُوا مَحَبَّـتَهُمْ مَعَ الرَّحْمَـٰنِ مَا
جَعَلُوا المَحَبَّةَ قَطُّ لِلرَّحْمَنِ
لَيْسَ العِبَادَةُ غَيْـرَ تَوْحِيدِ المحَبْـ
ـبَةِ مَعْ خُضُوعِ القَلْبِ وَالأَرْكَانِ
وَالحُبُّ نَفْسُ وِفَاقِهِ فِيمَا يُحِبْـ
ـبُ وَبُغْضُ مَا لَا يَرْتَضِي بِجَنَانِ
وَوِفَـاقُـهُ نَفْسُ اتِّـبَاعِـكَ أَمْـرَهُ
وَالقَصْدُ وَجْهُ اللهِ ذِي الإِحْسَانِ
هَذَا هُوَ الإِحْسَانُ شَرْطٌ فِي قَـبُو
لِ السَّعْيِ فَافْهَمْهُ مِنَ القُرْآنِ
وَالِاتِّـبَاعُ بِدُونِ شَرْعِ رَسُولِهِ
عَيْنُ المُحَالِ وَأَبْطَلُ البُطْلَانِ
فَإِذَا نَـبَـذْتَ كِتَـابَهُ وَرَسُولَـهُ
وتَبِعْتَ أَمْـرَ النَّـفْسِ وَالشَّيْطَانِ
وَتَخِذْتَ أَنْدَاداً تُحِبُّـهُمُ كَحُبْـ
رـبِ رَبٍّ كُنْتَ مُجَانِبَ الإِيمَانِ
حِمَايَةُ النَّبِيِّ ﷺ جَنَابَ التَّوْحِيدِ
وَلَقَدْ نَـهَى ذَا الخَلْـقَ عَنْ إِطْـرَائِهِ
فِعْلَ النَّصَارَى عَابِدِي الصُّلْـبَانِ
وَلَـقَـدْ نَـهَانَـا أَنْ نُصَيِّــرَ قَبْـرَهُ
عِيداً حِذَارَ الشِّرْكِ بِالرَّحْمَـٰنِ
وَدَعَـا بِـأَلَّا يُجْعَـلَ القَبْـرُ الَّذِي
قَـدْ ضَمَّـهُ وَثَناً مِنَ الأَوْثَـانِ
فَأَجَـابَ رَبُّ العَالَمِينَ دُعَـاءَهُ
وَأَحَاطَـهُ بِـثَـلَاثَـةِ الجُدْرَانِ
حَتَّى اغْتَدَتْ أَرْجَاؤُهُ بِدُعَائِـهِ
فِـي عِـزَّةٍ وَحِمَـايَـةٍ وَصِيَـانِ
وَلَقَدْ غَدَا عِنْـدَ الوَفَاةِ مُصَرِّحاً
بِاللَّعْنِ يَصْـرُخُ فِيـهِمُ بِـأَذَانِ
وَعَنَى الأُلَى جَعَلُوا القُبُورَ مَسَاجِداً
وَهُمُ اليَهُودُ وَعَابِدُو الصُّلْبَانِ
وَاللَّـهِ لَـوْلَا ذَاكَ أُبْـرِزَ قَـبْــرُهُ
لَكِنَّـهُمْ حَجَبُـوهُ بِالحِيـطَـانِ
قَصَدُوا إِلَى تَسنِـيمِ حُجْرَتِهِ لِـيَمْـ
ـتَنِعَ السُّجُودُ لَهُ عَلَى الأَذْقَانِ
قَصَدُوا مُوَافَقَةَ الرَّسُولِ وَقَصْدَهُ التْـ
ـتَجْرِيـدَ لِلتَّوْحِيـدِ لِلرَّحْمَنِ
هَذِهِ فُصُولٌ تَابِعَةٌ لِلنَّوْعِ الثَّانِي مِنَ التَّوْحِيدِ القَوْلِيِّ وَهُوَ الثُّبُوتِيُّ، وَقَدْ جَعَلْنَاهُ هُنَا؛ لِئَلاَّ يَطُولَ بِهَا الفَصْلُ بَيْنَ أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ، وَلأَهَمِّيَّةِ شَرْحِ الأَسْمَـاءِ الحُسْنَى أَثْـبَـتْـنَـا ذَلِـكَ كُـلَّـهُ.
فَصْلٌ
وَهُوَ الحَمِيدُ فَكُلُّ حَمْدٍ وَاقِعٍ
أَوْ كَانَ مَفْرُوضاً مَدَى الأَزْمَانِ
مَلَأَ الوُجُـودَ جَمِيعَـهُ وَنَظِـيرَهُ
مِنْ غَيْرِ مَا عَدٍّ وَلَا حُسْبَانِ
هُوَ أَهْلُهُ سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ
كُلُّ المَحَامِدِ وَصْفُ ذِي الإِحْسَانِ
فَصْلٌ
وَهُوَ المُكَلِّمُ عَبْدَهُ مُوسَى بِتَـكْـ
ـلِيمِ الخِطَابِ وَقَبْلَهُ الأَبَوَانِ
كَلِمَاتُهُ جَلَّتْ عَنِ الإِحْصَاءِ وَالتْـ
ـتَعْدَادِ بَلْ عَنْ حَصْرِ ذِي الحُسْبَانِ
لَوْ أَنَّ أَشْجَارَ البِـلَادِ جَمِيعَهَا الْـ
أَقْـلَامُ تَكْتُـبُـهَا بِكُـلِّ بَنَـانِ
وَالبَحْرُ تُلْقَى فِيهِ سَبْـعَـةُ أَبْحُرٍ
لِكِتَـابَةِ الكَلِمَاتِ كُـلَّ زَمَانِ
نَفِدَتْ وَلَمْ تَنْـفَدْ بِهَا كَلِمَاتُـهُ
لَيْسَ الكَلَامُ مِنَ الإِلَـٰهِ بِفَانِ
وَهُوَ القَدِيرُ فَلَيْسَ يُعْجِزُهُ إِذَا
مَا رَامَ شَيْئاً قَطُّ ذُو سُلْطَانِ
وَهُوَ القَوِيُّ لَهُ القُـوَى جَمْعاً تَعَا
لَى رَبُّ ذِي الأَكْوَانِ وَالأَزْمَانِ
وَهُـوَ الغَـنِـيُّ بِـذَاتِـهِ فَـغِـنَـاهُ ذَا
تِيٌّ لَـهُ كَالجُـودِ وَالإِحْسَـانِ
وَهُوَ العَزِيـزُ فَلَنْ يُـرَامَ جَنَـابُـهُ
أَنَّى يُـرَامُ جَنَـابُ ذِي السُّلْطَانِ
وَهُوَ العَزِيـزُ القَاهِـرُ الغَـلَّابُ لَـمْ
يَغْلِبْـهُ شَيْءٌ هَـذِهِ صِفَـتَـانِ
وَهُوَ العَزِيزُ بِقُـوَّةٍ هِيَ وَصْفُـهُ
فَالعِـزُّ حِينَئِـذٍ ثَـلَاثُ مَعَـانِ
وَهِيَ الَّتِـي كَمُلَتْ لَهُ سُبْحَانَهُ
مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَادِمِ النُّـقْصَانِ
وَهُوَ الحَكِيمُ وَذَاكَ مِنْ أَوْصَافِـهِ
نَوْعَانِ أَيْضاً مَا هُمَا عَدَمَانِ
حُكْمٌ وَإِحْكَامٌ فَكُلٌّ مِنْهُمَا
نَوْعَانِ أَيْضاً ثَابِـتَا البُـرْهَانِ
وَالحُكْمُ شَرْعِيٌّ وَكَوْنِـيٌّ وَلَا
يَـتَـلَازَمَـانِ وَمَـا هُـمَا سِيَّـانِ
بَلْ ذَاكَ يُوجَـدُ دُونَ هَذَا مُفْـرَداً
وَالعَـكْسُ أَيْضاً ثُمَّ يَجْـتَمِعَانِ
لَنْ يَخْلُوَ المَرْبُوبُ مِنْ إِحْدَاهُمَا
أَوْ مِنْـهُمَا بَـلْ لَيْسَ يَنْـتَـفِيَانِ
لَكِنَّمَا الشَّرْعِيُّ مَحْبُوبٌ لَهُ
أَبَداً وَلَنْ يَخْلُو مِنَ الأَكْوَانِ
هُوَ أَمْرُهُ الدِّينِـيُّ جَاءَتْ رُسْلُهُ
بِقِيَـامِهِ فِـي سَائِـرِ الأَزْمَـانِ
لَكِنَّـمَا الكَوْنِـيُّ فَهْـوَ قَضَـاؤُهُ
فِي خَلْقِهِ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ
هُوَ كُلُّـهُ حَقٌّ وَعَـدْلٌ ذُو رِضاً
وَالشَّأْنُ فِي المَقْضِيِّ كُلُّ الشَّانِ
فَلِذَاكَ نَرْضَى بِالقَضَاءِ وَنَسْخَطُ الْـ
ـمَقْضِيَّ حِينَ يَكُونُ بِالعِصْيَانِ
وَاللهُ يَرْضَى بِالقَضَاءِ وَيَسْخَطُ الْـ
ـمَقْضِيَّ مَا الأَمْـرَانِ مُـتَّـحِدَانِ
فَقَضَاؤُهُ صِفَةٌ بِهِ قَامَتْ وَمَا الْـ
ـمَقْضِيُّ إِلَّا صَنْـعَـةُ الإِنْسَانِ
وَالكَوْنُ مَحْبُوبٌ وَمَبْغُوضٌ لَهُ
وَكِلَاهُمَا بِمَشِيـئَـةِ الرَّحْمَـٰنِ
هَذَا الـبَـيَـانُ يُزِيلُ لَبْساً طَالَمَا
هَلَكَتْ عَلَيْـهِ النَّاسُ كُلَّ زَمَانِ
وَيَحِلُّ مَا قَدْ عَقَّـدُوا بِأُصُولِـهِمْ
وَبُحُوثِهِمْ فَافْهَمْهُ فَهْمَ بَـيَانِ
مَنْ وَافَقَ الكَوْنِيَّ وَافَقَ سُخْطَهُ
إِنْ لَمْ يُوَافِقْ طَاعَةَ الدَّيَّانِ
فَلِذَاكَ لَا يَعْدُوهُ ذَمٌّ أَوْ فَوَا
تُ الحَمْدِ مَعْ أَجْرٍ وَمَعْ رِضْوَانِ
وَمُوَافِقُ الدِّينِـيِّ لَا يَعْدُوهُ أَجْـ
ـرٌ بَـلْ لَـهُ عِنْـدَ الصَّوَابِ اثْـنَـانِ
فَصْلٌ
وَالحِكْمَةُ العُلْيَا عَلَى نَوْعَيْنِ أَيْـ
ـضاً حُصِّلَا بِقَوَاطِعِ البُرْهَانِ
إِحْدَاهُمَـا فِـي خَلْقِـهِ سُبْحَانَـهُ
نَوْعَانِ أَيْضاً لَيْسَ يَـفْتَرِقَـانِ
إِحْكَامُ هَذَا الخَلْقِ إِذْ إِيجَـادُهُ
فِي غَايَـةِ الإِحْكَامِ وَالإِتْـقَانِ
وَصُدُورُهُ مِنْ أَجْلِ غَايَـاتٍ لَهُ
وَلَـهُ عَلَيْـهَا حَمْـدُ كُلِّ لِسَانِ
وَالحِكْمَةُ الأُخْرَى فَحِكْمَةُ شَرْعِهِ
أَيْضاً وَفِيهَا ذَانِكَ الوَصْفَانِ
غَايَاتُـهَا اللَّاتِي حُمِدْنَ وَكَوْنُـهَا
فِي غَايَـةِ الإِتْقَانِ وَالإِحْسَانِ
فَصْلٌ
وَهُوَ الحَيِـيُّ فَلَيْسَ يَفْضَحُ عَبْـدَهُ
عِنْـدَ التَّجَاهُرِ مِنْهُ بِالعِصْيَانِ
لَـكِـنَّـهُ يُـلْـقِـي عَـلَـيْـهِ سِتْـرَهُ
فَهُوَ السَّتِـيرُ وَصَاحِبُ الغُفْـرَانِ
وَهُوَ الحَلِيمُ فَلَا يُعَاجِلُ عَبْدَهُ
بِعُـقُوبَـةٍ لِـيَـتُوبَ مِنْ عِصْيَـانِ
وَهُوَ العَفُوُّ فَعَفْوُهُ وَسِعَ الوَرَى
لَوْلَاهُ غَارَ الأَرْضُ بِالسُّكَّانِ
وَهُوَ الصَّبُورُ عَلَى أَذَى أَعْدَائِهِ
شَتَمُـوهُ بَـلْ نَسَبُـوهُ لِلْبُهْتَـانِ
قَالُوا لَهُ وَلَدٌ وَلَيْسَ يُعِيدُنَا
شَتْماً وَتَكْذِيباً مِنَ الإِنْسَانِ
هَذَا وَذَاكَ بِسَمْعِهِ وَبِعِلْمِهِ
لَوْ شَاءَ عَاجَلَهُمْ بِكُلِّ هَوَانِ
لَكِنْ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ وَهُمْ
يُـؤْذُونَهُ بِالشِّرْكِ وَالكُـفْـرَانِ
وَهُوَ الرَّقِيبُ عَلَى الخَوَاطِرِ وَاللَّوَا
حِظِ كَيْفَ بِالأَفْعَالِ بِالأَرْكَانِ
وَهُوَ الحَفِيظُ عَلَيْهِمُ وَهُوَ الكَفِيـ
ـلُ بِحِفْظِهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ عَانِي
وَهُـوَ اللَّطِيـفُ بِعَبْدهِ وَلِعَبْـدِهِ
وَاللُّطْفُ فِـي أَوْصَافِهِ نَوْعَانِ
إِدْرَاكُ أَسْـرَارِ الأُمُـورِ بِخِـبْـرَةٍ
وَاللُّطْفُ عِنْـدَ مَوَاقِعِ الإِحْسَانِ
فَـيُـرِيكَ عِـزَّتَـهُ وَيُبْدِي لُطْـفَـهُ
وَالعَبْدُ فِي الغَفَلَاتِ عَنْ ذَا الشَّانِ
فَصْلٌ
وَهُوَ الرَّفِيقُ يُحِبُّ أَهْلَ الرِّفْقِ بَلْ
يُعْطِيهِمُ بِالرِّفْقِ فَوْقَ أَمَانِ
وَهُوَ القَرِيبُ وَقُرْبُهُ المُخْتَصُّ بِالدْ
دَاعِي وَعَابِدِهِ عَلَى الإِيمَانِ
وَهُوَ المُجِيبُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُو أُجِبْـ
ـهُ أَنَا المُجِيبُ لِكُلِّ مَنْ نَادَانِي
وَهُوَ المُجِيبُ لِدَعْوَةِ المُضْطَـرِّ إِذْ
يَدْعُوهُ فِـي سِرٍّ وَفِـي إِعْلَانِ
وَهُوَ الجَوَادُ فَجُودُهُ عَمَّ الوُجُو
دَ جَمِيعَهُ بِالفَضْلِ وَالإِحْسَانِ
وَهُوَ الجَوَادُ فَلَا يُخَيِّبُ سَائِلاً
وَلَوَ انَّهُ مِنْ أُمَّةِ الكُفْرَانِ
وَهُوَ المُغِيثُ لِكُلِّ مَخْلُوقَاتِهِ
وَكَذَا يُجِيبُ إِغَاثَةَ اللَّهْفَانِ
فَصْلٌ
وَهُوَ الوَدُودُ يُحِبُّـهُمْ وَيُـحِبُّـهُ
أَحْـبَـابُـهُ وَالفَضْـلُ لِلْـمَـنَّـانِ
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ المَحَبَّـةَ فِي قُلُو
بِهِمُ وَجَازَاهُمْ بِحُبٍّ ثَانِـي
هَذَا هُوَ الإِحْسَانُ حَقّاً لَا مُعَا
وَضَةً وَلَا لِتَوَقُّعِ الشُّكْرَانِ
لَكِنْ يُحِبُّ شَكُورَهُمْ وَشُكُورَهُمْ
لَا لِاحْتِـيَـاجٍ مِنْـهُ لِلشُّكْـرَانِ
وَهُوَ الشَّكُورُ فَلَنْ يُضَيِّـعَ سَعْـيَهُمْ
لَكِـنْ يُـضَاعِفُـهُ بِلَا حُسْبَـانِ
مَا لِلْعِبَادِ عَلَيْهِ حَقٌّ وَاجِبٌ
هُوَ أَوْجَبَ الأَجْرَ العَظِيمَ الشَّانِ
كَلَّا وَلَا عَمَلٌ لَدَيْهِ ضَائِعٌ
إِنْ كَانَ بِالإِخْلَاصِ وَالإِحْسَانِ
إِنْ عُذِّبُوا فَبِعَدْلِهِ أَوْ نُعِّمُوا
فَبِفَضْلِهِ وَالحَمْدُ لِلْمَنَّانِ
فَصْلٌ
وَهُوَ الغَفُورُ فَلَوْ أَتَى بِقُرَابِهَا
مِنْ غَيْرِ شِرْكٍ بَلْ مِنَ العِصْيَانِ
لَأَتَاهُ بِالغُفْرَانِ مِلْءَ قُرَابِهَا
سُبْحَانَهُ هُوَ وَاسِعُ الغُفْرَانِ
وَكَذَلِكَ التَّوَّابُ مِنْ أَوْصَافِهِ
وَالتَّوْبُ فِي أَوْصَافِهِ نَوْعَانِ
إِذْنٌ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ وَقَبُولُهَا
بَعْدَ المَتَابِ بِمِنَّةِ المَنَّانِ
فَصْلٌ
وَهُوَ الإِلَـٰهُ السَّيِّدُ الصَّمَدُ الَّذِي
صَمَدَتْ إِلَيْهِ الخَلْقُ بِالإِذْعَانِ
الكَامِلُ الأَوْصَافِ مِنْ كُلِّ الوُجُو
هِ كَمَالُهُ مَا فِيهِ مِنْ نُقْصَانِ
وَكَذَلِكَ القَهَّارُ مِنْ أَوْصَافِهِ
فَالخَلْقُ مَقْهُورُونَ بِالسُّلْطَانِ
لَوْ لَمْ يَكُنْ حَيًّا عَزِيزاً قَادِراً
مَا كَانَ مِنْ قَهْرٍ وَلَا سُلْطَانِ
وَكَذَلِكَ الجَبَّارُ مِنْ أَوْصَافِهِ
وَالجَبْـرُ فِي أَوْصَافِـهِ نَوْعَانِ
جَبْرُ الضَّعِيفِ وَكُلُّ قَلْبٍ قَدْ غَدَا
ذَا كَسْرَةٍ فَالجَبْـرُ مِنْـهُ دَانِـي
وَالثَّانِ جَبْـرُ القَهْرِ بِالعِزِّ الَّذِي
لَا يَنْـبَغِي لِسِوَاهُ مِـنْ إِنْسَـانِ
وَلَهُ مُسَمًّى ثَالِثٌ وَهُوَ العُلُوْ
وُ فَلَيْسَ يَدْنُو مِنْهُ مِنْ إِنْسَانِ
مِنْ قَوْلِهِمْ جَبَّارَةٌ لِلنَّخْلَةِ الْـ
ـعُلْيَا الَّتِـي فَاتَـتْ لِكُلِّ بَـنَانِ
فَصْلٌ
وَهُوَ الحَسِيبُ كِفَايَـةً وَحِمَايَـةً
وَالحَسْبُ كَافِي العَبْدِ كُلَّ أَوَانِ
وَهُوَ الرَّشِيدُ فَقَوْلُهُ وَفِعَالُهُ
رُشْدٌ وَرَبُّكَ مُرشِدُ الحَيْـرَانِ
وَكِلَاهُمَا حَقٌّ فَهَذَا وَصْفُهُ
وَالفِعْلُ لِلْإِرْشَادِ ذَاكَ الثَّانِي
وَالعَدْلُ مِنْ أَوْصَافِهِ فِي فِعْلِهِ
وَمَقَالِهِ وَالحُكْمِ بِالمِيزَانِ
فَعَلَى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ إِلَـٰهُنَا
قَوْلاً وَفِعْلاً ذَاكَ فِي القُرْآنِ
فَصْلٌ
هَذَا وَمِنْ أَوْصَافِهِ القُدُّوسُ ذُو التْـ
ـتَنْزِيـهِ بِالتَّعْظِـيمِ لِلرَّحْمَنِ
وَهُوَ السَّلَامُ عَلَى الحَقِيقَةِ سَالِمٌ
مِنْ كُلِّ تَمْثِيلٍ وَمِنْ نُقْصَانِ
وَالبِرُّ فِي أَوْصَافِهِ سُبْحَانَهُ
هُوَ كَثْـرَةُ الخَيْـرَاتِ وَالإِحْسَانِ
صَدَرَتْ عَنِ البَـرِّ الَّذِي هُوَ وَصْفُهُ
فَالبِرُّ حِينَئِذٍ لَهُ نَوْعَانِ
وَصْفٌ وَفِعْلٌ فَهْوَ بَـرٌّ مُحْسِنٌ
مُولِي الجَمِيلِ وَدَائِمُ الإِحْسَانِ
وَكَذَلِكَ الوَهَّابُ مِنْ أَسْمَائِهِ
فَانْظُرْ مَوَاهِبَهُ مَدَى الأَزْمَانِ
أَهْلُ السَّمَـٰـوَاتِ العُلَى وَالأَرْضِ عَنْ
تِلْكَ المَوَاهِبِ لَيْسَ يَنْـفَكَّانِ
وَكَذَلِكَ الفَتَّاحُ مِنْ أَسْمَائِهِ
وَالفَتْحُ فِي أَوْصَافِهِ أَمْرَانِ
فَتْـحٌ بِحُكْمٍ وَهْوَ شَرْعُ إِلَــٰهِنَـا
وَالفَتْحُ بِالأَقْـدَارِ فَتْـحٌ ثَانِـي
وَالرَّبُّ فَتَّاحٌ بِذَيْنِ كِلَيْهِمَا
عَدْلاً وَإِحْسَاناً مِنَ الرَّحْمَـٰنِ
وَكَذَلِـكَ الرَّزَّاقُ مِنْ أَسْمَائِـهِ
وَالرِّزْقُ مِنْ أَفْعَالِهِ نَوْعَانِ
رِزْقٌ عَلَى يَدِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ
نَوْعَانِ أَيْضاً ذَانِ مَعْرُوفَانِ
رِزْقُ القُلُوبِ العِلْمَ وَالإِيمَانَ وَالرْ
رِزْقُ المُعَدُّ لِهَذِهِ الأَبْدَانِ
هَذَا هُوَ الرِّزْقُ الحَلَالُ وَرَبُّـنَا
رَزَّاقُـهُ وَالفَـضْـلُ لِلْـمَـنَّـانِ
وَالثَّانِ سَوْقُ القُوتِ لِلْأَعْضَاءِ فِي
تِلْكَ المَجَارِي سَوْقَهُ بِوِزَانِ
هَذَا يَكُونُ مِنَ الحَلَالِ كَمَا يَكُو
نُ مِنَ الحَرَامِ كِلَاهُمَا رِزْقَانِ
وَاللهُ رَازِقُهُ بِهَذَا الِاعْتِبَا
رِ وَلَـيْسَ بِالإِطْـلَاقِ دُونَ بَـيَانِ
فَصْلٌ
هَذَا وَمِنْ أَوْصَافِهِ القَيُّومُ وَالْـ
قَيُّومُ فِي أَوْصَافِهِ أَمْرَانِ
إِحْدَاهُمَا القَيُّومُ قَامَ بِنَفْسِهِ
وَالكَوْنُ قَامَ بِهِ هُمَا الأَمْرَانِ
فَالأَوَّلُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ غَيْرِهِ
وَالفَقْـرُ مِنْ كُلٍّ إِلَيْـهِ الثَّـانِـي
وَالوَصْفُ بِالقَيُّومِ ذُو شَأْنٍ كَذَا
مَوْصُوفُـهُ أَيْضاً عَظِـيمُ الشَّانِ
وَالحَيُّ يَتْلُوهُ فَأَوْصَافُ الكَمَا
لِ هُمَا لِأُفْقِ سَمَائِهَا قُطْـبَانِ
فَالحَيُّ وَالقَـيُّومُ لَنْ تَـتَخَّلَفَ الْـ
ـأَوْصَافُ أَصْلاً عَنْهُمَا بِبَـيَانِ
هُوَ قَابِضٌ هُوَ بَاسِطٌ هُوَ خَافِضٌ
هُوَ رَافِعٌ بِالعَدْلِ وَالمِيزَانِ
وَهُوَ المُعِزُّ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ وَذَا
عِزٌّ حَقِيقِيٌّ بِلَا بُطْلَانِ
وَهُوَ المُذِلُّ لِمَنْ يَشَاءُ بِذِلَّةِ الدْ
دَارَيْنِ ذُلَّ شَقاً وَذُلَّ هَوَانِ
هُوَ مَانِعٌ مُعْطٍ فَهَذَا فَضْلُهُ
وَالمَنْعُ عَيْنُ العَدْلِ لِلْمَنَّانِ
يُعْطِي بِرَحْمَتِهِ وَيَمْنَعُ مَنْ يَشَا
ءُ بِحِكْمَـةٍ وَاللَّهُ ذُو سُلْطَـانِ
فَصْلٌ
وَالنُّـورُ مِنْ أَسْمَائِهِ أَيْضاً وَمِنْ
أَوْصَافِهِ سُبْحَانَ ذِي البُـرْهَانِ
قَالَ ابْنُ مسْعُودٍ كَلَاماً قَدْ حَكَا
هُ الـدَّارِمِي عَنْـهُ بِـلَا نُـكْـرَانِ
مَا عِنْـدَهُ لَيْـلٌ يَـكُونُ وَلَا نَـهَا
رٌ قُلْتُ تَحْتَ الفَلْكِ يُوجَدُ ذَانِ
نُورُ السَّمَـٰـوَاتِ العُلَى مِنْ نُورِهِ
وَالأَرْضِ كَيْـفَ النَّجْمُ وَالقَمَرَانِ
مِنْ نُورِ وَجْهِ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ
وَكَذَا حَكَاهُ الحَافِظُ الطَّـبَـرَانِـي
فَبِهِ اسْتَـنَارَ العَرْشُ وَالكُرْسِيُّ مَعْ
سَبْعِ الطِّبَاقِ وَسَائِرِ الأَكْوَانِ
وَكِتَابُهُ نُورٌ كَذَلِكَ شَرْعُهُ
نُورٌ كَذَا المَبْعُوثُ بِالفُرْقَانِ
وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ فِي قَلْبِ الفَتَى
نُورٌ عَلَى نُورٍ مَعَ القُرْآنِ
وَحِجَابُهُ نُورٌ فَلَوْ كَشَفَ الحِجَا
بَ لَأَحْرَقَ السُّبُحَاتُ لِلْأَكْوَانِ
وَإِذَا أَتَى لِلْـفَصْلِ يُشْرِقُ نُورُهُ
فِي الأَرْضِ يَوْمَ قِيَامَةِ الأَبْدَانِ
وَكَذَاكَ دَارُ الرَّبِّ جَنَّاتُ العُلَى
نُورٌ تَلَأْلَأَ لَيْسَ ذَا بُطْلَانِ
وَالنُّورُ ذُو نَوْعَيْنِ مَخْلُوقٌ وَوَصْـ
ـفٌ مَـا هُمَـا وَاللَّـهِ مُتَّـحِدَانِ
وَكَذَلِكَ المَخْلُوقُ ذُو نَوْعَيْنِ مَحْـ
ـسُوسٌ وَمَعْقُولٌ هُمَا شَيْـئَـانِ
احْذَرْ تَزِلَّ فَـتَحْتَ رِجْلِكَ هُوَّةٌ
كَمْ قَدْ هَوَى فِيهَا عَلَى الأَزْمَانِ
مِنْ عَابِدٍ بِالجَهْلِ زَلَّتْ رِجْلُهُ
فَهَوَى إِلَى قَعْرِ الحَضِيضِ الدَّانِي
فَصْلٌ
وَهُوَ المُقَدِّمُ وَالمُؤَخِّرُ ذَانِكَ الصْـ
ـصِفَـتَـانِ لِلْأَ فْعَـالِ تَابِعَـتَـانِ
وَهُمَا صِفَاتُ الذَّاتِ أَيْضاً إِذْ هُمَا
بِالذَّاتِ لَا بِالغَيْرِ قَائِمَتَانِ
وَلِذَاكَ قَدْ غَلِطَ المُقَسِّمُ حِينَ ظَنْـ
ـنَ صِفَاتِـهِ نَوْعَـانِ مُخْتَلِفَانِ
إِنْ لَمْ يُرِدْ هَذَا وَلَكِنْ قَدْ أَرَا
دَ قِـيَامَهَا بِالفِعْلِ ذِي الإِمْكَانِ
وَالفِعْلُ وَالمَفْعُولُ شَيْءٌ وَاحِدٌ
عِنْـدَ المُقَسِّمِ مَا هُمَا شَيْـئَانِ
فَلِذَاكَ وَصْفُ الفِعْلِ لَيْسَ لَدَيْهِ إِلْـ
لَا نِسْبَةٌ عَدَمِيَّةٌ بِبَيَانِ
فَجَمِيعُ أَسْمَاءِ الفِعَالِ لَدَيْهِ لَيْـ
ـسَتْ قَطُّ ثَابِتَةً ذَوَاتِ مَعَانِـي
مَوْجُودَةٌ لَكِنْ أُمُورٌ كُلُّهَا
نِسَبٌ تُـرَى عَدَمِيَّـةَ الوُجْدَانِ
هَذَا هُوَ التَّعْطِيلُ لِلْأَفْعَالِ كَالتْـ
ـتَعْطِيلِ لِلْأَوْصَافِ بِالمِيزَانِ
فَالحَقُّ أَنَّ الوَصْفَ لَيْسَ بِمَوْرِدِ التْـ
ـتَقْسِيمِ هَذَا مُقْتَضَى البُرْهَانِ
بَلْ مَوْرِدُ التَّقْسِيمِ مَا قَدْ قَامَ بِالذْ
ذَاتِ الَّتِي لِلْوَاحِدِ الرَّحْمَـٰنِ
فَهُمَا إِذاً نَوْعَانِ أَوْصَافٌ وَأَفْـ
ـعَالٌ فَـهَذِي قِسْمَةُ التِّـبْـيَانِ
فَالوَصْفُ بِالأَفْعَالِ يَسْتَدْعِي قِيَا
مَ الفِعْلِ بِالمَوْصُوفِ بِالبُرْهَانِ
كَالوَصْفِ بِالمَعْنَى سِوَى الأَفْعَالِ مَا
إِنْ بَيْنَ ذَيْنِكَ قَطُّ مِنْ فُرْقَـانِ
وَمِنَ العَجَائِبِ أَ نَّـهُمْ رَدُّوا عَلَى
مَنْ أَثْـبَتَ الأَسْمَاءَ دُونَ مَعَانِ
قَامَتْ بِمَنْ هِيَ وَصْفُهُ هَذَا مُحَا
لٌ غَيْـرُ مَعْقُولٍ لِذِي الأَذْهَانِ
فَصْلٌ
وَأَتَوْا إِلَى الأَوْصَافِ بِاسْمِ الفِعْلِ قَا
لُوا لَمْ تَقُمْ بِالوَاحِدِ الدَّيَّانِ
فَانْظُرْ إِلَيْهِمْ أَبْطَلُوا الأَصْلَ الَّذِي
رَدُّوا بِهِ أَقْوَالَهُمْ بِوِزَانِ
إِنْ كَانَ هَذَا مُمْكِناً فَكَذَاكَ قَوْ
لُ خُصُومِكُمْ أَيْضاً فَذُو إِمْكَانِ
وَالوَصْفُ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ كَوْ
نِيٌّ وَدِينِيٌّ هُمَا نَوْعَانِ
وَكِلَاهُمَـا أَمْـرٌ حَقِيـقِـيٌّ وَنِسْـ
ـبِـيٌّ وَلَا يَخْفَى عَلَى الأَذْهَانِ
وَاللَّهُ قَدَّرَ ذَاكَ أَجْمَعَهُ بِإِحْـ
ـكَـامٍ وَإِتْـقَـانٍ مِنَ الرَّحْمَـٰنِ
هَذَا وَمِنْ أَسْمَائِهِ مَا لَيْسَ يُـفْـ
ـرَدُ بَلْ يُـقَالُ إِذَا أَتَى بِـقِـرَانِ
وَهِيَ الَّتِي تُدْعَى بِمُزْدَوِجَاتِهَا
إِفْرَادُهَا خَطَـرٌ عَلَى الإِنْسَانِ
إِذْ ذَاكَ مُوهِمُ نَوْعِ نَقْصٍ جَلَّ رَبُّ
العَرْشِ عَن عَيْبٍ وَعَنْ نُقْصَانِ
كَالمَانِعِ المُعْطِي وَكَالضَّارِّ الَّذِي
هُوَ نَافِعٌ وَكَمَالُهُ الأَمْرَانِ
وَنَظِيرُ هَذَا القَابِضُ المَقْـرُونُ بِاسْـ
ـمِ البَاسِطِ اللَّفْظَانِ مُقْتَرِنَانِ
وَكَذَا المُعِزُّ مَعَ المُذِلِّ وَخَافِضٌ
مَعَ رَافِعٍ لَفْظَانِ مُزْدَوِجَانِ
وَحَدِيثُ إِفْـرَادِ اسْمِ مُنْـتَـقِمٍ فَـمَـوْ
قُوفٌ كَمَا قَدْ قَالَ ذُو العِرْفَانِ
مَا جَاءَ فِي القُرْآنِ غَيْـرَ مُقَـيَّـدٍ
بِالمُجْرِمِينَ وَجَا بِـ «ذَو» نَوْعَانِ
فَصْلٌ
وَدَلَالَةُ الأَسْمَاءِ أَنْوَاعٌ ثَلَا
ثٌ كُلُّـهَـا مَعْلُومَـةٌ بِـبَـيَـانِ
دَلَّتْ مُطَابَـقَـةً كَـذَاكَ تَضَمُّناً
وَكَذَا التِزَاماً وَاضِحَ البُرْهَانِ
أَمَّا مُطَابَقَةُ الدَّلَالَةِ فَهْيَ أَنْ
نَ الإِسْمَ يُفْهَمُ مِنْهُ مَفْهُومَانِ
ذَاتُ الإِلَـٰهِ وَذَلِكَ الوَصْفُ الَّذِي
يُشْتَقُّ مِنْهُ الإِسْمُ بِالمِيزَانِ
لَكِنْ دَلَالَتُهُ عَلَى إِحْدَاهُمَا
بِتَضَمُّـنٍ فَافْـهَمْهُ فَهْمَ بَـيَـانِ
وَكَذَا دَلَالَتُهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي
مَا اشْتُـقَّ مِنْـهَا فَالتِـزَامٌ دَانِي
وَإِذَا أَرَدْتَ لِذَا مِثَالاً بَيِّناً
فَمِثَالُ ذَلِكَ لَفْظَةُ الرَّحْمَـٰنِ
ذَاتُ الإِلَـٰهِ وَرَحْمَـةٌ مَدْلُولُـهَا
فَهُمَا لِهَذَا اللَّفْظِ مَدْلُولَانِ
إِحْدَاهُمَا بَعْضٌ لِذَا المَوْضُوعِ فَهْـ
ـيَ تَضَمُّنٌ ذَا وَاضِحُ التِّبْيَانِ
لَكِنَّ وَصْفَ الحَيِّ لَازِمُ ذَلِكَ الْـ
ـمَعْنَى لُزُومَ العِلْمِ لِلرَّحْمَـٰنِ
فَلِذَا دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ بِالتِزَا
مٍ بَيِّنٍ وَالحَقُّ ذُو تِبْيَانِ
فَصْلٌ: فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الإِلْحَادِ فِي أَسْمَاءِ رَبِّ العَالَمِينَ وَذِكْـرِ أَقْسَامِ المُلْحِدِينَ
أَسْمَـاؤُهُ أَوْصَافُ مَدْحٍ كُلُّـهَا
مُشْتَـقَّـةٌ قَـدْ حُمِّـلَتْ لِمَعَانِ
إِيَّاكَ وَالإِلْحَادَ فِيهَا إِنَّهُ
كُفْرٌ مَعَاذَ اللهِ مِنْ كُفْرَانِ
وَحَقِيقَةُ الإِلْحَادِ فِيهَا المَيْلُ بِالْـ
إِشْرَاكِ وَالتَّعْطِيلِ وَالنُّـكْرَانِ
فَالمُلْحِدُونَ إِذاً ثَـلَاثُ طَـوَائِـفٍ
فَعَلَيْهِمُ غَضَبٌ مِنَ الرَّحْمَـٰنِ
المُشْرِكُونَ لِأَ نَّـهُمْ سَمَّـوْا بِهَا
أَوْثَـانَـهُـمْ قَـالُـوا إِلَـٰهٌ ثَـانِ
هُمْ شَبَّـهُوا المَخْلُوقَ بِالخَلَّاقِ عَكْـ
ـسَ مُشَبِّـهِ الخَلَّاقِ بِالإِنْسَانِ
وكَـذَاكَ أَهْـلُ الإِتِّحَـادِ فَإِنَّـهُمْ
إِخْوَانُهُمْ فِي أَقْـرَبِ الإِخْوَانِ
أَعْطَوُا الوُجُودَ جَمِيعَهُ أَسْمَاءَهُ
إِذْ كَانَ عَيْنَ اللهِ ذِي السُّلْطَانِ
وَالمُشْرِكُونَ أَقَلُّ شِرْكاً مِنْـهُمُ
هُمْ خَصَّصُوا ذَا الإِسْمَ بِالأَوْثَانِ
وَلِذَاكَ كَانُوا أَهْلَ شِرْكٍ عِنْدَهُمْ
لَوْ عَمَّمُوا مَا كَانَ مِنْ كُفْرَانِ
وَالمُلْحِدُ الثَّانِي فَذُو التَّعْطِيلِ إِذْ
يَنْفِـي حَقَائِـقَـهَا بِلَا بُـرْهَـانِ
مَـا ثَـمَّ غَيْـرُ الِاسْمِ أَوَّلَـهُ بِمَـا
يَنْفِي الحَقِيقَةَ نَفْيَ ذِي بُطْلَانِ
فَالقَصْدُ دَفْعُ النَّصِّ عَنْ مَعْنَى الحَقِيـ
ـقَةِ فَاجْتَهِـدْ فِيـهِ بِلَفْظٍ بَـيَانِ
هَـذَا وَثَالِـثُـهُـمْ فَـنَـافِـيـهَـا وَنَـا
فِي مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ بِالبُهْتَانِ
ذَا جَاحِدُ الـرَّحْمَـٰنِ رَأْساً لَمْ يُـقِرْ
رَ بِخَـالِـقٍ أَبَـداً وَلَا رَحْـمَـٰنِ
هَذَا هُوَ الإِلْحَادُ فَاحْذَرْهُ لَعَلْ
لَ اللهَ أَنْ يُـنْـجِيكَ مِنْ نِيرَانِ
وَتَفُوزَ بِالزُّلْـفَى لَـدَيْهِ وَجَنَّةِ الْـ
ـمَأْوَى مَعَ الغُفْـرَانِ وَالـرِّضْوَانِ
إِيضَاحُ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ مِنَ الاِعْتِقَادِ
أَوْرَدَهُ النَّاظِمُ $ فِي مَعْرِضِ «تَحْمِيلِ أَهْلِ الإِثْبَاتِ لِلْمُعَطِّلِينَ شَهَادَةً تُؤَدَّى عِنْدَ رَبِّ العَالَمِينَ».
يَا أَيُّهَا البَاغِي عَلَى أَتْبَاعِهِ
بِالظُّلْمِ وَالبُهْتَانِ وَالعُدْوَانِ
قَدْ حَمَّلُوكَ شَهَادَةً فَاشْهَدْ بِهَا
إِنْ كُنْتَ مَقْبُولاً لَـدَى الرَّحْمَـٰنِ
وَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ إِنْ سُئِلْتَ بِأَنَّـهُمْ
قَالُوا إِلَـٰهُ العَرْشِ وَالأَكْـوَانِ
فَوْقَ السَّمَـٰـوَاتِ العُلَى حَقًّا عَلَى الْـ
ـعَرْشِ اسْتَـوَى سُبْحَانَ ذِي السُّلْطَانِ
وَالأَمْرُ يَنْزِلُ مِنْهُ ثُمَّ يَسِيرُ فِي الْـ
أَقْطَارِ سُبْحَانَ العَظِيمِ الشَّانِ
وَإِلَيْـهِ يَصْعَـدُ مَا يَشَـاءُ بِـأَمْـرِهِ
مِنْ طَيِّـبَاتِ القَوْلِ وَالشُّكْـرَانِ
وَإِلَيْهِ قَدْ صَعِدَ الرَّسُولُ وَقَبْلَهُ
عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ كَاسِرُ الصُّلْـبَانِ
وَكَذَلِكَ الأَمْلَاكُ تَصْعَدُ دَائِماً
مِنْ هَاهُنَا حَقًّا إِلَى الدَّيَّانِ
وَكَذَاكَ رُوحُ العَبْدِ بَعْدَ مَمَاتِهَا
تَرْقَـى إِلَيْـهِ وَهْـوَ ذُو إِيمَـانِ
وَاشْهَـدْ عَلَيْـهِمْ أَنَّـهُ سُبْحَانَـهُ
مُـتَـكَـلِّـمٌ بِالوَحْـيِ وَالقُـرْآنِ
سَمِعَ الأَمِيـنُ كَـلَامَهُ مِنْـهُ وَأَدْ
دَاهُ إِلَى المَبْعُوثِ بِالفُرْقَانِ
هُوَ قَوْلُ رَبِّ العَالَمِينَ حَقِيقَـةً
لَفْظاً وَمَعْنًى لَيْسَ يَفْـتَرِقَـانِ
وَاشْهَـدْ عَلَيْـهِمْ أَنَّـهُ سُبْحَانَـهُ
قَدْ كَلَّمَ المَوْلُودَ مِنْ عِمْرَانِ
سَمِعَ ابْنُ عِمْرَانَ الرَّسُولُ كَلَامَهُ
مِنْهُ إِلَيْهِ مَسْمَعَ الآذَانِ
وَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا بِأَنْ
نَ اللهَ نَادَاهُ بِلَا كِتْمَانِ
وَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا بِأَنْ
نَ اللَّهَ نَادَى قَبْلَهُ الأَ بَوَانِ
وَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا بِأَنْ
نَ اللَّهَ يَسْمَعُ صَوْتَـهُ الثَّـقَلَانِ
وَاللَّهُ قَـالَ بِنَفْسِـهِ لِـرَسُولِـهِ
إِنِّـي أَنَـا اللَّهُ العَظِيـمُ الشَّـانِ
وَاللهُ قَـالَ بِنَـفْـسِـهِ لِـرَسُولِـهِ
اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ ذِي الطُّغْيَانِ
وَاللهُ قَالَ بِنَفْسِهِ ﴿حَم﴾ مَعْ
﴿طَهَ﴾ وَمَعْ ﴿يَس﴾ قَوْلَ بَـيَانِ
وَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ أَنَّـهُمْ وَصَفُوا الإِلَــٰ
ـهَ بِكُلِّ مَا قَدْ جَاءَ فِي القُـرْآنِ
وَبِكُلِّ مَا قَالَ الرَّسُولُ حَقِيقَةً
مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا عُـدْوَانِ
وَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ أَنَّ قَوْلَ نَبِيِّـهِمْ
وَكَلَامَ رَبِّ العَرْشِ ذَا التِّـبْـيَانِ
نَصٌّ يُفِيدُ لَدَيْهِمُ عِلْمَ اليَقِيـ
ـنِ إِفَادَةَ المَعْـلُومِ بِالبُـرْهَانِ
وَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ قَدْ قَابَلُوا التْـ
ـتَعْطِيلَ وَالتَّمْثِيـلَ بِالنُّـكْرَانِ
إِنَّ المُعَطِّـلَ وَالمُمَثِّـلَ مَا هُمَا
مُـتَـيَـقِّـنَـيْنِ عِبَـادَةَ الرَّحْمَـٰنِ
ذَا عَابِدُ المَعْدُومِ لَا سُبْحَانَهُ
أَبَداً وَهَذَا عَابِدُ الأَوْثَانِ
وَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ قَدْ أَثْبَتُوا الْـ
أَسْمَاءَ وَالأَوْصَافَ لِلدَّيَّـانِ
وَكَذَلِكَ الأَحْكَامَ أَحْكَـامَ الصِّفَـا
تِ وَهَذِهِ الأَرْكَانُ لِلْإِيمَانِ
قَالُوا عَلِيـمٌ وَهْوَ ذُو عِلْمٍ وَيَعْـ
ـلَمُ غَايَـةَ الإِسْرَارِ وَالإِعْلَانِ
وَكَذَا بَصِيرٌ وَهْوَ ذُو بَصَرٍ وَيُبْـ
ـصِرُ كُلَّ مَرْئِيٍّ وَذِي الأَكْوَانِ
وَكَذَا سَمِيعٌ وَهْوَ ذُو سَمْعٍ وَيَسْـ
ـمَعُ كُلَّ مَسْمُوعٍ مِنَ الأَكْوَانِ
مُتَكَلِّمٌ وَلَهُ كَلَامٌ وَصْفُهُ
وَيُكَلِّمُ المَخْصُوصَ بِالرِّضْوَانِ
وَهُوَ القَوِيُّ بِقُوَّةٍ هِيَ وَصْفُهُ
وَعَلَيْكَ يَقْدِرُ يَا أَخَـا السُّلْطَانِ
وَهُوَ المُرِيدُ لَهُ الإِرَادَةُ هَكَذَا
أَبَداً يُرِيدُ صَنَائِعَ الإِحْسَانِ
وَالوَصْفُ مَعْنًى قَائِمٌ بِالذَّاتِ وَالْـ
أَسْمَـاءُ أَعْـلَامٌ لَـهُ بِـوِزَانِ
أَسْمَاؤُهُ دَلَّتْ عَلَى أَوْصَافِهِ
مُشْتَـقَّةً مِنْـهَا اشْتِـقَاقَ مَعَانِ
وَصِفَاتُـهُ دَلَّتْ عَلَى أَسْمَائِـهِ
وَالفِعْلُ مُرْتَبِطٌ بِهِ الأَمْرَانِ
وَالحُكْمُ نِسْبَـتُـهَا إِلَى مُتَعَلِّـقَا
تٍ تَقْـتَـضِي آثَـارَهَا بِـبَـيَانِ
وَلَرُبَّمَا يُعْـنَى بِهِ الإِخْبَـارُ عَـنْ
آثَارِهَا يُعْنَى بِهِ أَمْرَانِ
وَالفِعْلُ إِعْطَاءُ الإِرَادَةِ حُكْمَهَا
مَعَ قُدْرَةِ الفَعَّالِ وَالإِمْكَانِ
فَإِذَا انْـتَـفَتْ أَوْصَافُـهُ سُبْحَانَهُ
فَجَمِيعُ هَذَا بَيِّـنُ البُطْـلَانِ
وَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا بِهَـ
ـذَا كُلِّـهِ جَهْراً بِـلَا كِتْمَـانِ
وَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ بُـرَآءُ مِنْ
تَأْوِيلِ كُلِّ مُحَرِّفٍ شَيْطَانِ
وَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ أَنَّـهُمْ يَـتَـأَوَّلُـو
نَ حَقِيقَةَ التَّـأْوِيلِ فِي القُرْآنِ
هُمْ فِي الحَقِيقَةِ أَهْلُ تَأْويلِ الَّذِي
يُـعْـنَـى بِـهِ لَا قَائِـلُ الهَذَيَـانِ
وَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ أَنَّ تَأْوِيلَاتِـهِـمْ
صَرْفٌ عَنِ المَرْجُوحِ لِلـرُّجْحَانِ
وَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ أَنَّـهُمْ حَمَلُوا النُّصُو
صَ عَلَى الحَقِيقَةِ لَا المَجَازِ الثَّانِي
إِلَّا إِذَا مَا اضْطَـرَّهُمْ لِمجَازِهَا الْـ
ـمُضْطَـرُّ مِنْ حِسٍّ وَمِنْ بُرْهَانِ
فَهُنَاكَ عِصْمَـتُـهَا إِبَاحَتُـهُ بِغَيْـ
ـرِ تَجَانُفٍ لِلْإِثْمِ وَالعُدْوَانِ
وَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ أَنَّـهُمْ لَا يُكْـفِرُو
نَـكُمُ بِمَا قُلْـتُمْ مِنَ الكُفْرَانِ
إِذْ أَنْتُمُ أَهْلُ الجَهَالَةِ عِنْدَهُمْ
لَسْتُمْ أُولِـي كُفْرٍ وَلَا إِيمَانِ
لَا تَعْرِفُونَ حَقِيقَـةَ الكُفْرَانِ بَلْ
لَا تَعْرِفُونَ حَقِيقَةَ الإِيمَانِ
إِلَّا إِذَا عَانَدْتُمُ وَرَدَدْتُمُ
قَوْلَ الرَّسُولِ لِأَجْلِ قَوْلِ فُلَانِ
فَهُنَاكَ أَنْتُمْ أَكْفَرُ الثَّقَلَيْنِ مِنْ
إِنْسٍ وَجِنٍّ سَاكِـنِـي النِّيرَانِ
وَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ أَنَّـهُمْ قَدْ أَثْبَتُوا الْـ
أَقْـدَارَ وَارِدَةً مِـنَ الرَّحْمَـٰنِ
وَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ أَنَّ حُجَّةَ رَبِّهِمْ
قَامَـتْ عَلَيْهِمْ وَهْوَ ذُو غُفْرَانِ
وَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ أَنَّـهُمْ هُمْ فَاعِلُو
نَ حَقِيقَةَ الطَّاعَاتِ وَالعِصْيَانِ
وَالجَبْـرُ عِنْـدَهُمُ مُحَالٌ هَكَذَا
نَفْيُ القَضَاءِ فَبِئْسَتِ الرَّأْيَـانِ
وَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ أَنَّ إِيمَانَ الوَرَى
قَوْلٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ عَقْدُ جَنَانِ
وَيَزِيـدُ بِالطَّاعَاتِ قَطْعاً هَكَـذَا
بِالضِّدِّ يُمْسِي وَهْوَ ذُو نُقْصَـانِ
وَاللهِ مَـا إِيمَـانُ عَاصِينَـا كَإِيـ
ـمَانِ الأَمِينِ مُنَـزِّلِ القُـرْآنِ
كَـلَّا وَلَا إِيمَـانُ مُؤْمِـنِـنَـا كَـإِيـ
ـمَانِ الرَّسُولِ مُعَلِّمِ الإِيمَانِ
وَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ أَنَّـهُمْ لَمْ يُخْلِدُوا
أَهْلَ الكَـبَـائِرِ فِـي حَمِيمٍ آنِ
بَلْ يَخْرُجُونَ بِإِذْنِهِ بِشَفَاعَةٍ
وَبِدُونِـهَا لِمسَـاكِـنٍ بِجِنَـانِ
وَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ أَنَّ رَبَّـهُمُ يُـرَى
يَوْمَ المَعَادِ كَمَا يُـرَى القَمَرَانِ
وَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ أَنَّ أَصْحَابَ الرَّسُو
لِ خِيَارُ خَلْقِ اللهِ مِنْ إِنْسَانِ
حَاشَـا النَّبِيِّيـنَ الكِـرَامَ فَإِنَّـهُمْ
خَـيْـرُ البَرِيَّـةِ خِيرَةُ الرَّحْمَـٰنِ
وَخِيَارُهُمْ خُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ
وَخِيَارُهُمْ حَقًّا هُمَا العُمَرَانِ
وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ أَحَقُّ بِالتْـ
ـتَـقْـدِيمِ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ بِبَـيَانِ
كُلٌّ بِحَسْبِ السَّبْقِ أَفْضَلُ رُتْـبَةً
مِنْ لَاحِقٍ وَالفَضْلُ لِلْمَنَّانِ
تَفْصِيلاَتٌ مُهِمَّاتٌ، كَالشَّرْحِ لِبَعْضِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الاِعْتِقَادَاتِالقُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ
وَكَذَلِكَ القُرْآنُ عَيْنُ كَلَامِهِ الْـ
ـمَسْمُوعِ مِنْهُ حَقِيقَـةً بِبَـيَـانِ
هُـوَ قَـوْلُ رَبِّـي كُلُّـهُ لَا بَعْضُـهُ
لَفْظاً وَمَعْنًى مَا هُمَا خَلْقَانِ
تَنْزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ وَقَوْلُهُ الْـ
ـلَـفْظُ وَالمَعْـنَى بِلَا رَوَغَـانِ
لَكِنَّ أَصْوَاتَ العِبَادِ وَفِعْلَهُمْ
كَمِدَادِهِمْ وَالـرَّقِّ مَخْلُوقَانِ
فَالصَّوْتُ لِلْقَارِي وَلَكِنَّ الكَلَا
مَ كَلَامُ رَبِّ العَرْشِ ذِي الإِحْسَانِ
هَـذَا إِذَا مَـا كَـانَ ثَـمَّ وَسَاطَـةٌ
كَـقِـرَاءَةِ المَخْلُـوقِ لِلْقُـرْآنِ
فَإِذَا انْـتَفَتْ تِلْكَ الوَسَاطَةُ مِثْـلَمَا
قَدْ كَلَّمَ المَوْلُودَ مِنْ عِمْرَانِ
فَهُنَالِكَ المَخْلُوقُ نَفْسُ السَّمْعِ لَا
شَيْءٌ مِنَ المَسْمُوعِ فَافْهَمْ ذَانِ
مَا يُعْنَى بِالتِّلاَوَةِ وَاللَّفْظِ بِالقُرْآنِ
فَعَلَيْكَ بِالتَّفْصِيلِ وَالتَّمْيِيزِ فَالْـ
إِطْلَاقُ وَالإِجْمَالُ دُونَ بَـيَانِ
قَدْ أَفْسَدَا هَذَا الوُجُودَ وَخَبَّطَا الْـ
أَذْهَانَ وَالآرَاءَ كُلَّ زَمَانِ
وَتِلَاوَةُ القُرْآنِ فِي تَعْرِيفِهَا
بِاللَّامِ قَدْ يُعْنَى بِهَا شَيْئَانِ
يُعْنَى بِهَا المَتْلُوُّ فَهْوَ كَلَامُهُ
هُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ كَذِي الأَكْوَانِ
وَيُرَادُ أَفْعَالُ العِبَادِ كَصَوْتِهِمْ
وَأَدَائِهِمْ وَكِلَاهُمَا خَلْقَانِ
هَذَا الَّذِي نَصَّتْ عَلَيْـهِ أَئِمَّـةُ الْـ
إِسْلَامِ أَهْلُ العِلْمِ وَالعِرْفَانِ
وَهُوَ الَّذِي قَصَدَ البُخَارِيُّ الرِّضَا
لَكِنْ تَقَاصَرَ قَاصِرُ الأَذْهَانِ
عَنْ فَهْمِهِ كَتَقَاصُرِ الأَفْهَامِ عَنْ
قَوْلِ الإِمَامِ الأَعْظَمِ الشَّيْبَانِي
فِي اللَّفْظِ لَمَّا أَنْ نَفَى الضِّدَّيْنِ عَنْـ
ـهُ وَاهْتَدَى لِلنَّفْيِ ذُو عِرْفَانِ
فَاللَّفْظُ يَصْلُحُ مَصْدَراً هُوَ فِعْلُنَا
كَتَلَفُّظٍ بِتِلَاوَةِ القُرْآنِ
وَكَذَاكَ يَصْلُحُ نَفْسُ مَلْفُوظٍ بِـهِ
وَهْوَ القُـرَانُ فَذَانِ مُحْتَمَلَانِ
فَلِذَاكَ أَنْكَـرَ أَحْمَدُ الإِطْـلَاقَ فِي
نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ بِلَا فُرْقَانِ
التَّفْرِيقُ بَيْنَ مَا يُضَافُ إِلَى الرَّبِّ تَعَالَى مِنَ الأَوْصَافِ وَالأَعْيَانِ
وَاللهُ أَخْبَـرَ فِـي الكِتَـابِ بِـأَنَّـهُ
مِنْهُ وَمَجْرُورٌ بِـ«مِنْ» نَوْعَانِ
عَيْنٌ وَوَصْفٌ قَائِمٌ بِالعَيْنِ فَالْـ
أَعْيَانُ خَلْقُ الخَالِقِ الرَّحْمَـٰنِ
وَالوَصْفُ بِالمَجْرُورِ قَـا مَ لِأَ نَّـهُ
أَوْلَى بِهِ فِـي عُرْفِ كُلِّ لِسَانِ
وَنَظِيرُ ذَا أَيْضاً سَوَاءٌ مَا يُضَا
فُ إِلَيْهِ مِنْ صِفَةٍ وَمِنْ أَعْيَانِ
فَإِضَافَةُ الأَوْصَافِ ثَابِتَـةٌ لِمَنْ
قَامَـتْ بِـهِ كَـإِرَادَةِ الرَّحْمَـٰنِ
وَإِضَافَةُ الأَعْيَانِ ثَابِتَةٌ لَهُ
مِلْكاً وَخَلْقاً مَا هُمَا سِيَّانِ
فَانْظُرْ إِلَى بَيْتِ الإِلَـٰهِ وَعِلْمِهِ
لَمَّا أُضِيفَا كَيْفَ يَفْتَرِقَانِ
وَكَلَامُهُ كَحَيَاتِهِ وَكَعِلْمِهِ
فِي ذِي الإِضَافَةِ إِذْ هُمَا وَصْفَانِ
لَـكِـنَّ نَـاقَـتَـهُ وَبَـيْـتَ إِلَـٰهِـنَـا
فَكَعَبْـدِهِ أَيْضاً هُمَـا ذَاتَـانِ
فَانْظُرْ إِلَى الجَهْمِيِّ لَمَّا فَاتَهُ الْـ
ـحَقُّ المُبِينُ وَوَاضِحُ الفُرْقَانِ
كَانَ الجَمِيعُ لَـدَيْهِ بَاباً وَاحِداً
وَالصُّبْحُ لَاحَ لِمَنْ لَهُ عَيْنَانِ
اسْتِوَاءُ اللهِ عَلَى العَرْشِ، وَمَعَانِي الاِسْتِوَاءِ
العَرْشُ عَرْشُ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ
وَ«اللَّامُ» لِلْمَعْهُودِ فِي الأَذْهَانِ
وَعَلَيْهِ رَبُّ العَالَمِينَ قَدِ اسْتَوَى
حَقًّا كَمَا قَدْ جَاءَ فِي القُرْآنِ
وَكَذَا «اسْتَـوَى» المَوْصُولُ بِالحَرْفِ الَّذِي
ظَهَرَ المُرَادُ بِهِ ظُهُورَ بَـيَانِ
لَا فِيهِ إِجْمَالٌ وَلَا هُوَ مُفْهِمٌ
لِلِاشْتِرَاكِ وَلَا مَجَازٍ ثَانِ
تَرْكِيبُهُ مَعَ حَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ نَصْـ
ـصٌ فِي العُلُوِّ بِوَضْعِ كُلِّ لِسَانِ
فَإِذَا تَـرَكَّبَ مَعْ «إِلَى» فَالقَصْدُ مَعْ
مَعْـنَى العُلُوِّ لِـوَضْعِـهِ بِبَـيَانِ
وَإِلَى السَّمَاءِ قَدِ اسْتَـوَى فَمُقَـيَّـدٌ
بِتَمَامِ صَنْعَتِهَا مَعَ الإِتْقَانِ
لَكِنْ «عَلَى العَرْشِ اسْتَـوَى» هُوَ مُطْـلَقٌ
مِنْ بَعْدِهَـا قَدْ تَمَّ بِالأَرْكَـانِ
لَكِنَّمَا الجَهْمِيُّ يَقْصُرُ فَهْمُهُ
عَنْ ذَا فَتِلْكَ مَوَاهِبُ المَنَّانِ
فَإِذَا اقْتَضَى «وَاوَ المَعِيَّـةِ» كَانَ مَعْـ
ـنَاهُ اسْتَوَى مُتَـقَـدِّمٌ وَالثَّانِـي
فَإِذَا أَتَى مِنْ غَيْـرِ حَرْفٍ كَانَ مَعْـ
ـنَاهُ الكَمَالَ فَلَيْسَ ذَا نُقْصَانِ
لَا تَلْبِسُوا بِالـبَـاطِلِ الحَـقَّ الَّـذِي
قَدْ بَيَّنَ الرَّحْمَـٰنُ فِي الفُرْقَانِ
وَعَلَا لِـلِاسْتِعْلَاءِ فَهْيَ حَقِيقَةٌ
فِيـهِ لَـدَى أَرْبَابِ هَذَا الشَّانِ
عِبَارَاتُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي تَفْسِيرِ «اسْتَوَى»
فَلَـهُـمْ عِبَـارَاتٌ عَلَيْـهَـا أَرْبَـعٌ
قَدْ حُصِّلَتْ لِلْـفَارِسِ الطَّعَّـانِ
وَهِيَ اسْتَقَـرَّ وَقَدْ عَلَا وَكَذَلِكَ ارْ
تَفَعَ الَّذِي مَا فِيـهِ مِنْ نُـكْرَانِ
وَكَذَاكَ قَدْ صَعِدَ الَّذِي هُوَ رَابِــعٌ
وَأَبُو عُبَيْدَةَ صَاحِبُ الشَّيْـبَانِـي
يَخْتَارُ هَذَا القَوْلَ فِـي تَفْسِيرِهِ
أَدْرَى مِنَ الجَهْمِيِّ بِالقُرْآنِ
فَوْقِيَّةُ الرَّحْمَـٰنِ وَعُلُوُّهُ وَاسْتِوَاؤُهُ بِالذَّاتِ
وَاللهُ أَكْبَرُ قَاهِرٌ فَوْقَ العِبَا
دِ فَلَا تَضَعْ فَوْقِـيَّـةَ الرَّحْمَـٰنِ
مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تِلْكَ ثَابِتَةٌ لَهُ
لَا تَهْضِمُوهَا يَا أُولِي الـبُهْتَانِ
قَهْراً وَقَدْراً وَاسْتِوَاءَ الذَّاتِ فَوْ
قَ العَرْشِ بِالبُـرْهَانِ وَالقُرْآنِ
فَبِذَاتِهِ خَلَقَ السَّمَـٰـوَاتِ العُلَى
ثُمَّ اسْتَـوَى بِالذَّاتِ فَافْـهَمْ ذَانِ
فَضَمِيرُ فِعْلِ الِاسْتِوَاءِ يَعُودُ لِلذْ
ذَاتِ الَّتِـي ذُكِرَتْ بِلَا فُرْقَانِ
هُوَ رَبُّـنَا هُوَ خَالِـقٌ هُوَ مُسْـتَوٍ
بِالذَّاتِ هَذِي كُلُّـهَـا بِـوِزَانِ
خَلْقُ العَرْشِ قَبْلَ القَلَمِ
وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فِي القَلَمِ الَّذِي
كُتِبَ القَضَاءُ بِهِ مِنَ الدَّيَّانِ
هَلْ كَانَ قَبْلَ العَرْشِ أَوْ هُوَ بَعْدَهُ
قَوْلَانِ عِنْـدَ أَبِي العَلَا الهَمَدَانِـي
وَالحَقُّ أَنَّ العَـرْشَ قَبْـلُ لِأَنَّـهُ
قَبْلَ الكِتَابَةِ كَانَ ذَا أَرْكَانِ
وَكِتَابَـةُ القَلَمِ الشَّرِيفِ تَعَقَّـبَتْ
إِيجَادَهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلِ زَمَانِ
لَمَّا بَـرَاهُ اللهُ قَالَ اكْـتُبْ كَـذَا
فَغَـدَا بِأَمْـرِ اللهِ ذَا جَـرَيَـانِ
فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ أَبَداً إِلَى
يَوْمِ المَعَادِ بِقُدْرَةِ الرَّحْمَـٰنِ
أَسْبَابُ حَيَاةِ القَلْبِ
وَحَيَاةُ قَلْبِ العَبْدِ فِي شَيْئَيْنِ مَنْ
يُرْزَقْهُمَا يَحْيَا مَدَى الأَزْمَانِ
فِي هَذِهِ الدُّنْيَا وَفِي الأُخْرَى يَكُو
نُ الحَيَّ ذَا الرِّضْوَانِ وَالإِحْسَانِ
ذِكْرِ الإِلَـٰهِ وَحُبِّـهِ مِنْ غَيْرِ إِشْـ
ـرَاكٍ بِـهِ وَهُمَـا فَمُمْتَـنِـعَـانِ
مِنْ صَاحِبِ التَّعْطِيلِ حَقًّا كَامْتِنَا
عِ الطَّائِرِ المَقْصُوصِ مِنْ طَـيَـرَانِ
أَيُحِبُّـهُ مَنْ كَانَ يُـنْـكِرُ وَصْفَـهُ
وَعُلُوَّهُ وَكَلَامَهُ بِقُرَانِ
لَا وَالَّذِي حَقًّا عَلَى العَرْشِ اسْتَـوَى
مُتَكَلِّماً بِالوَحْيِ وَالفُرْقَانِ
أَسْبَابُ النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ اللهِ
يَـا مَنْ تَعِـزُّ عَلَيْـهِمُ أَرْوَاحُهُـمْ
وَيَـرَوْنَ غُبْـناً بَيْعَـهَا بِهَـوَانِ
وَيَرَوْنَ خُسْرَاناً مُبِيناً بَيْعَهَا
فِي إِثْرِ كُلِّ قَبِيحَةٍ وَمُهَانِ
وَيَرَوْنَ مَيْدَانَ التَّسَابُـقِ بَارِزاً
أَفَـيَـتْـرُكُونَ تَقَحُّمَ المَيْـدَانِ
وَيَـرَوْنَ أَنْـفَاسَ العِبَادِ عَلَيْهِمُ
قَدْ أُحْصِيَتْ بِالعَدِّ وَالحُسْبَـانِ
وَيَرَوْنَ أَنَّ أَمَامَهُمْ يَوْمَ اللِّـقَا
لِلَّـهِ مَسْـأَلَـتَـانِ شَامِلَـتَـانِ
مَاذَا عَبَدْتُمْ ثُمَّ مَاذَا قَدْ أَجَبْـ
ـتُمْ مَنْ أَتَى بِالحَقِّ وَالبُرْهَانِ
هَاتُوا جَوَاباً لِلسُّؤَالِ وَهَـيِّـئُوا
أَيْضاً صَوَاباً لِلْجَوَابِ يُـدَانِـي
وَتَـيَقَّـنُوا أَنْ لَيْسَ يُنْجِيكُمْ سِوَى
تَجْرِيدِكُمْ لِحَقَائِـقِ الإِيمَانِ
تَجْرِيـدِكُمْ تَوْحِيـدَهُ سُبْحَانَـهُ
عَنْ شِرْكَـةِ الشَّيْطَانِ وَالأَوْثَـانِ
وَكَذَاكَ تَجْرِيدُ اتِّـبَاعِ رَسُولِـهِ
عَنْ هَذِهِ الآرَاءِ وَالهَذَيَانِ
وَاللهِ مَا يُنْجِي الفَتَى مِنْ رَبِّهِ
شَيْءٌ سِوَى هَذَا بِلَا رَوَغَانِ
بَعْضُ المَخْلُوقَاتِ المُسْتَثْنَاتِ مِنَ الفَنَاءِ، وَحَالَةُ الأَرْوَاحِ بَعْدَ المَوْتِ
وَالعَرْشُ وَالكُرْسِيُّ لَا يُفْنِيهِمَا
أَيْضاً وَإِنَّهُمَـا لَمَخْلُوقَـانِ
وَالحُورُ لَا تَفْنَى كَذَلِكَ جَنَّـةُ الْـ
ـمَأْوَى وَمَا فِيهَا مِنَ الوِلْدَانِ
وَالأَنْبِيَاءُ فَإِنَّـهُمْ تَحْتَ الثَّـرَى
أَجْسَامُهُمْ حُفِظَتْ مِنَ الدِّيدَانِ
مَا لِلْبِلَى بِلُحُومِهِمْ وَجُسُومِهِمْ
أَبَداً وَهُمْ تَحْتَ التُّـرَابِ يَـدَانِ
وَكَذَاكَ عَجْبُ الظَّهْرِ لَا يَبْلَى بَلًى
مِنْـهُ تُـرَكَّبُ خِلْـقَـةُ الإِنْسَانِ
وَكَذَلِكَ الأَرْوَاحُ لَا تَبْلَى كَمَا
تَبْلَى الجُسُومُ وَلَا بِلَى اللُّحْمَانِ
فَالشَّأْنُ لِلْأَرْوَاحِ بَعْـدَ فِـرَاقِـهَا
أَبْـدَانَـهَا وَاللهِ أَعْظَـمُ شَـانِ
إِمَّا عَذَابٌ أَوْ نَعِيمٌ دَائِمٌ
قَدْ نُعِّـمَتْ بِالـرَّوْحِ وَالـرَّيْحَانِ
وَتَصِيرُ طَـيْراً سَارِحاً مَعْ شَكْلِـهَا
تَجْنِـي الثِّمَارَ بِجَنَّةِ الحَيَوَانِ
وَتَظَلُّ وَارِدَةً لِأَنْهَارٍ بِهَا
حَتَّى تَعُودَ لِذَلِكَ الجُثْمَانِ
لَكِنَّ أَرْوَاحَ الَّذِينَ اسْتُشْهِدُوا
فِي جَوْفِ طَيْرٍ أَخْضَرٍ رَيَّانِ
فَلَهُمْ بِذَاكَ مَزِيَّـةٌ فِـي عَيْـشِهِمْ
وَنَعِيمُهُـمْ لِلـرُّوحِ وَالأَبْـدَانِ
بَذَلُوا الجُسُومَ لِـرَبِّهِمْ فَـأَعَاضَهُمْ
أَجْسَامَ تِلْكَ الطَّيْرِ بِالإِحْسَانِ
وَلَـهَـا قَـنَـادِيلٌ إِلَيْـهَا تَـنْـتَـهِـي
مَأْوًى لَـهَا كَمَسَـاكِـنِ الإِنْسَـانِ
فَالـرُّوحُ بَعْدَ المَوْتِ أَكْمَلُ حَالَـةً
مِنْـهَا بِهَذِي الدَّارِ فِي جُثْمَانِ
وَعَذَابُ أَشْقَاهَا أَشَدُّ مِنَ الَّذِي
قَدْ عَايَـنَـتْ أَبْصَارُنَـا بِعِيَـانِ
وَالقَائِلُونَ بِأَنَّـهَـا عَـرَضٌ أَبَـوْا
ذَا كُـلَّـهُ تَـبّـاً لِـذِي نُـكْـرَانِ
كَـيْفِيَّـةُ البَعْثِ وَالنُّشُورِ
وَإِذَا أَرَادَ اللهُ إِخْرَاجَ الوَرَى
بَعْدَ المَمَاتِ إِلَى المَعَادِ الثَّانِي
أَلْقَى عَلَى الأَرْضِ الَّتِي هُمْ تَحْتَهَا
وَاللهُ مُقْتَدِرٌ وَذُو سُلْطَانِ
مَطَراً غَلِيظاً أَبْـيَـضاً مُتَتَابِعاً
عَشْراً وَعَشْراً بَعْدَهَا عَشْرَانِ
فَـتَظَـلُّ تَنْـبُتُ مِنْـهُ أَجْسَامُ الوَرَى
وَلُحُومُهُمْ كَمَنَابِتِ الرَّيْحَانِ
حَتَّى إِذَا مَـا الأُمُّ حَـانَ وِلَادُهَا
وَتَمَخَّضَتْ فَنِفَاسُهَا مُتَدَانِـي
أَوْحَى لَـهَا رَبُّ السَّمَا فَـتَـشَقَّـقَتْ
فَبَدَا الجَنِينُ كَأَكْمَلِ الشُّبَّانِ
وَتَخَلَّتِ الأُمُّ الـوَلُودُ وَأَخْـرَجَتْ
أَثْـقَـالَـهَا أُنْـثَى وَمِنْ ذُكْـرَانِ
وَاللهُ يُـنْـشِـئُ خَلْـقَـهُ فِـي نَشْأَةٍ
أُخْـرَى كَـمَا قَـدْ قَالَ فِـي القُرْآنِ
هَذَا الَّذِي جَاءَ الكِتَابُ وَسُنَّـةُ الْـ
ـهَادِي بِـهِ فَاحْرِصْ عَلَى الإِيمَانِ
صِفَةُ الجَنَّةِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللهُ لِأَوْلِيَائِهِ بِفَضْلِهِ وَمَنِّهِ
فَاسْمَعْ إِذاً أَوْصَافَهَا وَصِفَاتِ هَا
تِيكَ المَنَازِلِ رَبَّةِ الإِحْسَانِ
هِيَ جَنَّةٌ طَابَتْ وَطَابَ نَعِيمُهَا
فَنَعِيمُهَا بَاقٍ وَلَيْسَ بِفَانِ
دَارُ السَّلَامِ وَجَنَّةُ المَأْوَى وَمَنْـ
ـزِلُ عَسْكَرِ الإِيمَانِ وَالقُرْآنِ
فَالدَّارُ دَارُ سَلَامَةٍ وَخِطَابُهُمْ
فِيهَا سَلَامٌ وَاسْمُ ذِي الغُفْرَانِ
دَرَجَاتُهَا مِائَةٌ وَمَا بَيْنَ اثْنَتَيْـ
ـنِ فَذَاكَ في التَّحْقِيقِ لِلْحُسْبَانِ
مِثْلُ الَّذِي بَيْنَ السَّمَاءِ وَبَيْنَ هَـ
ـذِي الأَرْضِ قَوْلُ الصَّادِقِ البُرْهَانِ
لَكِنَّ عَالِيَهَا هُوَ الفِرْدَوْسُ مَسْـ
ـقُوفٌ بِعَرْشِ الخَالِقِ الرَّحْمَـٰنِ
وَسَطَ الجِنَانِ وَعُلْوَهَا فَلِذَاكَ كَا
نَتْ قُبَّةً مِنْ أَحْسَنِ البُنْيَانِ
مِنْـهُ تَـفَجَّرُ سَائِـرُ الأَنْـهَارِ فَالْـ
ـمَـنْـبُوعُ مِـنْـهُ نَـازِلٌ بِجِـنَـانِ
أَبْوَابُ الجَنَّـةِ
أَبْـوَابُـهَـا حَـقٌّ ثَـمَـانِـيَـةٌ أَتَـتْ
فِـي النَّصِّ وَهْيَ لِصَاحِبِ الإِحْسَانِ
بَابُ الجِهَادِ وَذَاكَ أَعْلَاهَا وَبَا
بُ الصَّوْمِ يُدْعَى الـبَابُ بِالـرَّيَّـانِ
وَلِكُلِّ سَعْيٍ صَالِحٍ بَابٌ وَرَبْـ
ـبُ السَّعْيِ مِنْهُ دَاخِلٌ بِأَمَانِ
وَلَسَوْفَ يُدْعَى المَرْءُ مِنْ أَبْـوَابِهَا
جَمْعاً إِذَا وَفَّى حُلَى الإِيمَانِ
مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ هُوَ الصِّدِّيقُ ذَا
كَ خَلِيفَةُ المَبْعُوثِ بِالقُرْآنِ
مِفْتَاحُ بَابِ الجَنَّـةِ
هَذَا وَفَتْحُ البَابِ لَيْسَ بِمُمْكِنٍ
إِلَّا بِـمِـفْـتَـاحٍ عَـلَـى أَسْنَـانِ
مِفْـتَاحُهُ بِشَهَادَةِ الإِخْلَاصِ وَالتْـ
ـتَوْحِيـدِ تِلْكَ شَهَادَةُ الإِيمَانِ
أَسْنَانُـهُ الأَعْمَالُ وَهْيَ شَرَائِـعُ الْـ
إِسْلَامِ وَالمِفْـتَاحُ بِالأَسْنَـانِ
لَا تُلْغِيَنْ هَذَا المِثَالَ فَكَـمْ بِـهِ
مِنْ حَلِّ إِشْكَالٍ لِذِي العِرْفَانِ
مَنْشُورُ الجَنَّـةِ الَّذِي يُوَقَّعُ بِهِ لِصَاحِبِهَا
هَذَا وَمَنْ يَدْخُلْ فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ
إِلَّا بِـتَـوْقِـيـعٍ مِنَ الـرَّحْـمَـٰنِ
وَكَذَاكَ يُكْتَبُ لِلفَتَى لِدُخُولِـهِ
مِنْ قَبْلُ تَوْقِيعَانِ مَشْهُودَانِ
إِحْدَاهُمَا بَعْدَ المَمَاتِ وَعَرْضِ أَرْ
وَاحِ العِبَادِ بِهِ عَلَى الدَّيَّانِ
فَـيَقُولُ رَبُّ العَرْشِ جَلَّ جَلَالُهُ
لِلْكَاتِبِينَ وَهُمْ أُولُو الدِّيوَانِ
ذَا الاِسْمُ فِي الدِّيوَانِ يُكْتَبُ ذَاكَ دِيـ
ـوَانُ الجِنَـانِ مُجَاوِرُ المَنَّانِ
دِيوَانُ عِلِّـيِّينَ أَصْحَابُ القُـرَا
نِ وَسُنَّـةِ المَبْعُوثِ بِالقُـرْآنِ
فَإِذَا انْتَهَى لِلْجِسْرِ يَوْمَ الحَشْرِ يُعْـ
ـطَى لِلـدُّخُـولِ إِذاً كِـتَـاباً ثَانِ
عُنْـوَانُـهُ هَـذَا كِتَابٌ مِنْ عَزِيــ
ـزٍ رَاحِـمٍ لِفُـلَانٍ ابْـنِ فُـلَانِ
فَدَعُوهُ يَدْخُلْ جَنَّـةَ المَأْوَى الَّتِـي ارْ
تَفَعَتْ وَلَكِنَّ القُطُوفَ دَوَانِي
هَذَا وَقَدْ كُتِبَ اسْمُهُ مُذْ كَانَ فِـي الْـ
أَرْحَامِ قَبْـلَ وِلَادَةِ الإِنْسَانِ
بَلْ قَبْلَ ذَلِكَ وَهْوَ وَقْتُ القَبْضَتَيْـ
ـنِ كِلَاهُمَـا لِلْعَدْلِ وَالإِحْسَـانِ
سُبْحَانَ ذِي الجَبَرُوتِ وَالمَلَكُوتِ وَالْـ
إِجْلَالِ وَالإِكْـرَامِ وَالسُّبْحَانِ
وَاللهُ أَكْبَـرُ عَالِمُ الأَسْـرَارِ وَالْـ
إِعْلَانِ وَاللَّحَظَاتِ بِالأَجْفَـانِ
وَالحَمْدُ لِلَّهِ السَّمِيعِ لِسَائِرِ الْـ
أَصْوَاتِ مِنْ سِـرٍّ وَمِنْ إِعْـلَانِ
وَهُوَ المُوَحَّدُ وَالمُسَبَّحُ وَالمُمَجْـ
ـجَدُ وَالحَمِيـدُ وَمُنْزِلُ القُـرْآنِ
وَالأَمْـرُ مِنْ قَبْـلٍ وَمِنْ بَعْـدٍ لَهُ
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ذَا السُّلْطَانِ
أَعْلَى أَهْلِ الجَنَّـةِ مَنْزِلَةً وَأَدْنَاهُمْ
هَذَا وَأَعْلَاهُمْ فَنَاظِرُ رَبِّهِ
فِـي كُلِّ يَوْمٍ وَقْـتُـهُ الطَّـرَفَانِ
لَـكِنَّ أَدْنَـاهُمْ وَمَا فِـيـهِمْ دَنِـيْ
يٌ لَيْسَ فِي الجَنَّاتِ مِنْ نُقْصَانِ
فَهُوَ الَّذِي تُلْفَى مَسَافَةُ مُلْكِهِ
بِسِنِـيـنِـنَا أَلْـفَـانِ كَـامِلَـتَـانِ
فَيَـرَى بِهَا أَقْصَاهُ حَقًّا مِثْلَ رُؤْ
يَـتِـهِ لِأَدْنَـاهُ القَرِيبِ الدَّانِـي
أَوَمَا سَمِعْتَ بِأَنَّ آخِرَ أَهْلِهَا
يُعْطِيـهِ رَبُّ العَرْشِ ذُو الغُفْرَانِ
أَضْعَـافَ دُنْـيَـانَـا جَمِيعاً عَشْرَ أَمْـ
ـثَالٍ لَـهَا سُبْحَانَ ذِي الإِحْسَانِ
عَدَدُ الجَنَّاتِ وَأَجْنَاسُهَا
وَالجَنَّـةُ اسْمُ الجِنْسِ وَهْيَ كَثِـيرَةٌ
جِـدًّا وَلَكِـنْ أَصْلُـهَا نَوْعَـانِ
ذَهَبِيَّـتَانِ بِكُـلِّ مَا حَوَتَـاهُ مِـنْ
حُلْيٍ وَآنِيَةٍ وَمِنْ بُنْيَانِ
وَكَذَاكَ أَيْضاً فِضَّـةٌ ثِنْـتَانِ مِنْ
حُلْـيٍ وَبُـنْـيَـانٍ وَكُـلِّ أَوَانِـي
لَكِنَّ دَارَ الخُلْدِ وَالمَأْوَى وَعَدْ
نٍ وَالسَّلَامِ إِضَافَـةٌ لِمَعَانِـي
أَوْصَافُـهَا اسْتَدْعَتْ إِضَافَـتَـهَا إِلَيْـ
ـهَا مِدْحَـةً مَعْ غَايَـةِ التِّـبْـيَانِ
لَكِنَّمَا الفِرْدَوْسُ أَعْلَاهَا وَأَوْ
سَطُـهَا مَسَاكِنُ صَفْوَةِ الـرَّحْمَـٰنِ
أَعْلَاهُ مَنْـزِلَةً لِأَعْلَى الخَلْقِ مَنْـ
ـزِلَـةً هُوَ المَبْعُوثُ بِالقُـرْآنِ
وَهِيَ الوَسِيلَةُ وَهْيَ أَعْلَى رُتْـبَـةٍ
خَلَصَتْ لَـهُ فَضْلاً مِنَ الرَّحْمَـٰنِ
بِنَاءُ الجَنَّـةِ
وَبِنَاؤُهَا اللَّبِنَـاتُ مِنْ ذَهَبٍ وَأُخْـ
ـرَى فِضَّةٌ نَوْعَـانِ مُخْتَلِفَانِ
وَقُصُورُهَا مِنْ لُؤلُؤٍ وَزَبَـرْجَدٍ
أَوْ فِضَّةٍ أَوْ خَالِصِ العِقْـيَـانِ
وَكَذَاكَ مِنْ دُرٍّ وَيَاقُوتٍ بِهِ
نُظِـمَ البِنَـاءُ بِغَايَـةِ الإِتْـقَـانِ
وَالطِّينُ مِسْكٌ خَالِصٌ أَوْ زَعْفَـرَا
نٌ جَـا بِـذَا أَثَـرَانِ مَقْـبُولَانِ
لَيْسَا بِمُخْتَلِفَيْنِ لَا تُـنْـكِرْهُـمَا
فَهُمَا المِلَاطُ لِذَلِكَ البُـنْـيَانِ
أَرْضُهَا وَحَصْبَاؤُهَا وَتُرْبَتُهَا
وَالأَرْضُ مَرْمَرَةٌ كَخَالِصِ فِضَّةٍ
مِثْـلَ المِرَاةِ تَـنَـالُـهُ العَـيْـنَـانِ
فِـي مُسْلِمٍ تَشْبِيهُهَا بِالدَّرْمَكِ الصْـ
ـصَافِـي وَبِالِمسْكِ العَظِيمِ الشَّانِ
هَذَا لِحُسْنِ اللَّوْنِ لَكِنْ ذَا لِطِيـ
ـبِ الـرِّيحِ صَارَ هُنَاكَ تَشْبِيهَانِ
حَصْبَـاؤُهَـا دُرٌّ وَيَـاقُوتٌ كَـذَا
كَ لَآلِـئٌ نُثِـرَتْ كَنَـثْرِ جُمَانِ
وَتُـرَابُـهَا مِنْ زَعْفَـرَانٍ أَوْ مِنَ الْـ
ـمِسْكِ الَّذِي مَا اسْتُلَّ مِنْ غِزْلَانِ
صِفَةُ غُرُفَاتِهَا
غُرُفَاتُـهَا فِـي الجَوِّ يُنْظَرُ بَطْـنُـهَا
مِنْ ظَهْرِهَا وَالظَّهْرُ مِنْ بَطْـنَانِ
سُكَّانُـهَا أَهْلُ القِيَامِ مَعَ الصِّيَا
مِ وَطَـيِّبِ الكَلِمَاتِ وَالإِحْسَانِ
ثِنْـتَانِ خَالِـصُ حَقِّـهِ سُبْحَانَـهُ
وَعَبِيـدُهُ أَيْـضاً لَـهُمْ ثِنْـتَـانِ
الجَنَّةُ قِيعَانٌ وَغِرَاسُهَا الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ
أَوَمَا سَمِعْتَ بِأَنَّـهَا القِيعَانُ فَاغْـ
ـرِسْ مَا تَشَاءُ بِذَا الزَّمَانِ الفَانِـي
وَغِـرَاسُهَا التَّسْبِيحُ وَالتَّـكْبِيرُ وَالتْـ
ـتَحْمِيدُ وَالتَّوْحِيـدُ لِلرَّحْمَـٰنِ
تَبًّـا لِتَـارِكِ غَـرْسِهِ مَـاذَا الَّذِي
قَـدْ فَـاتَـهُ فِـي مُـدَّةِ الإِمْكَـانِ
يَا مَنْ يُـقِـرُّ بِذَا وَلَا يَسْعَى لَـهُ
بِاللَّهِ قُلْ لِي كَيْـفَ يَجْتَمِعَانِ
أَرَأَيْتَ لَوْ عَطَّـلْتَ أَرْضَكَ مِنْ غِرَا
سٍ مَا الَّذِي تَجْنِـي مِنَ الـبُسْتَانِ
وَكَذَاكَ لَوْ عَطَّلْتَهَا مِنْ بَذْرِهَا
تَرْجُو المُغَلَّ يَكُونُ كَالكِـيمَانِ
مَا قَالَ رَبُّ العَالَمِينَ وَعَبْدُهُ
هَذَا فَـرَاجِـعْ مُـقْـتَـضَـى القُـرْآنِ
وَتَأَمَّـلِ البَـاءَ الَّتِـي قَدْ عَـيَّـنَتْ
سَبَبَ الـفَلَاحِ لِحِكْمَةِ الفُرْقَانِ
وَأَظُـنُّ بَـاءَ النَّـفْيِ قَدْ غَـرَّتْـكَ فِـي
ذَاكَ الحَدِيثِ أَتَى بِـهِ الشَّيْخَانِ
لَنْ يَدْخُـلَ الجَنَّـاتِ أَصْلاً كَادِحٌ
بِالسَّعْيِ مِنْـهُ وَلَوْ عَلَى الأَجْفَانِ
وَاللهِ مَا بَيْنَ النُّصُوصِ تَعَارُضٌ
وَالكُلُّ مَصْدَرُهَا مِنَ الرَّحْمَـٰنِ
لَكِنَّ بَـا الإِثْبَاتِ لِلتَّسْبِيبِ وَالْـ
ـبَـاءُ الَّتِـي لِلنَّـفْـيِ بَـا الأَثْـمَـانِ
وَالفَرْقُ بَـيْـنَـهُمَا فَفَرْقٌ ظَاهِرٌ
يَدْرِيهِ ذُو حَظٍّ مِنَ العِرْفَانِ
الخَاتِمَـةُ فِي النَّصِيحَـةِ
يَا أَيُّـهَا الرَّجُلُ المُرِيدُ نَجَاتَهُ
اسْمَعْ مَقَالَةَ نَاصِحٍ مِعْوَانِ
كُنْ فِـي أُمُورِكَ كُلِّهَا مُتَمَسِّكاً
بِالوَحْيِ لَا بِزَخَارِفِ الهَذَيَـانِ
وَانْصُرْ كِتَابَ اللهِ وَالسُّنَنَ الَّتِـي
جَاءَتْ عَنِ المَبْعُوثِ بِالفُرْقَانِ
وَتَعَرَّ مِنْ ثَوْبَيْنِ مَنْ يَلْبَسْهُمَا
يَلْقَ الرَّدَى بِمَذَمَّةٍ وَهَوَانِ
ثَوْبٌ مِنَ الجَهْلِ المُـرَكَّبِ فَـوْقَـهُ
ثَوْبُ التَّـعَصُّبِ بِئْسَتِ الثَّـوْبَانِ
وَتَحَلَّ بِالإِنْصَافِ أَفْخَرَ حُلَّةٍ
زِيـنَتْ بِهَا الأَعْطَافُ وَالكَتِـفَانِ
وَاجْعَلْ شِعَارَكَ خَشْيَةَ الرَّحْمَـٰنِ مَعْ
نُصْحِ الرَّسُولِ فَحَبَّـذَا الأَمْـرَانِ
وَتَمَسَّكَـنَّ بِحَبْـلِـهِ وَبِوَحْيِـهِ
وَتَـوَكَّـلَـنَّ حَقِيقَـةَ التُّـكْـلَانِ
وَالحَقُّ مَنْصُورٌ وَمُمْتَحَنٌ فَلَا
تَعْجَبْ فَهَذِي سُنَّـةُ الرَّحْمَـٰنِ
وَبِذَاكَ يَظْهَرُ حِزْبُهُ مِنْ حَرْبِهِ
وَلِأَجْلِ ذَاكَ النَّاسُ طَائِفَتَانِ
وَلِأَجْلِ ذَاكَ الحَرْبُ بَيْنَ الرُّسْلِ وَالْـ
ـكُفَّارِ مُذْ قَامَ الوَرَى سَجْلَانِ
لَكِنَّمَا العُقْـبَى لِأَهْلِ الحَقِّ إِنْ
فَاتَتْ هُنَـا كَـانَـتْ لَـدَى الدَّيَّـانِ
وَاجْعَلْ لِقَلْبِكَ هِجْرَتَيْنِ وَلَا تَـنَمْ
فَهُمَا عَلَى كُلِّ امْرِئٍ فَـرْضَانِ
فَالهِجْرَةُ الأُولَى إِلَى الرَّحْمَـٰنِ بِالْـ
إِخْلَاصِ فِـي سِرٍّ وَفِـي إِعْلَانِ
فَالقَصْدُ وَجْهُ اللهِ بِالأَقْـوَالِ وَالْـ
أَعْمَالِ وَالطَّاعَاتِ وَالشُّكْـرَانِ
فَبِذَاكَ يَنْجُو العَبْدُ مِنْ إِشْرَاكِهِ
وَيَصِيرُ حَقّاً عَابِدَ الرَّحْمَـٰنِ
وَالهِجْرَةُ الأُخْرَى إِلَى المَبْعُوثِ بِالْـ
ـحَقِّ المُبِينِ وَوَاضِحِ الـبُـرْهَانِ
فَـيَدُورُ مَعْ قَوْلِ الرَّسُولِ وَفِعْلِهِ
نَـفْـياً وَإِثْـبَـاتاً بِـلَا رَوَغَـانِ
وَاسْمَعْ نَصِيحَةَ مَنْ لَهُ خُبْـرٌ بِمَا
عِنْـدَ الوَرَى مِنْ كَثْـرَةِ الجَوَلَانِ
مَا عِنْـدَهُمْ وَاللهِ خَيْـرٌ غَيْـرَ مَا
أَخَـذُوهُ عَمَّـنْ جَاءَ بِالقُـرْآنِ
وَالكُلُّ بَعْدُ فَبِدْعَةٌ أَوْ فِرْيَةٌ
أَوْ بَحْثُ تَشْكِيكٍ وَرَأْيُ فُلَانِ
فَاصْدَعْ بِأَمْرِ اللهِ لَا تَخْشَ الوَرَى
فِي اللهِ وَاخْشَـاهُ تَـفُـزْ بِأَمَـانِ
وَاهْجُرْ وَلَوْ كُلَّ الوَرَى فِـي ذَاتِهِ
لَا فِي هَوَاكَ وَنَخْوَةِ الشَّيْطَانِ
وَاصْبِرْ بِغَيْرِ تَسَخُّطٍ وَشِكَايَـةٍ
وَاصْفَحْ بِغَيْرِ عِتَابِ مَنْ هُوَ جَانِ
وَاهْجُرْهُمُ الهَجْـرَ الجَمِيلَ بِلَا أَذىً
إِنْ لَمْ يَكُنْ بُـدٌّ مِنَ الهِجْرَانِ
وَانْظُرْ إِلَى الأَقْدَارِ جَارِيَةً بِمَا
قَدْ شَاءَ مِنْ غَيٍّ وَمِنْ إِيمَانِ
وَاجْعَلْ لِقَلْبِكَ مُقْلَتَيْنِ كِلَاهُمَا
بِالحَقِّ فِـي ذَا الخَلْقِ نَاظِـرَتَانِ
فَانْظُرْ بِعَيْنِ الحُكْمِ وَارْحَمْهُمْ بِهَا
إِذْ لَا تُـرَدُّ مَشِيئَـةُ الدَّيَّـانِ
وَانْظُرْ بِعَيْنِ الأَمْرِ وَاحْمِلْهُمْ عَلَى
أَحْكَـامِـهِ فَهُمَـا إِذاً نَظَـرَانِ
وَاجْعَلْ لَـوَجْهِكَ مُقْلَتَيْنِ كِلَاهُمَا
مِنْ خَشْيَةِ الرَّحْمَـٰنِ بَاكِيَتَانِ
لَوْ شَاءَ رَبُّـكَ كُنْتَ أَيْضاً مِثْـلَهُمْ
فَالقَلْبُ بَيْنَ أَصَابِــعِ الرَّحْمَـٰنِ
وَاحْذَرْ كَمَائِنَ نَفْسِكَ اللَّاتِي مَتَى
خَرَجَتْ عَلَيْكَ كُسِرْتَ كَسْرَ مُهَانِ
وَإِذَا انْـتَصَرْتَ لَـهَا فَأَنْتَ كَمَنْ بَغَى
طَفْيَ الدُّخَانِ بِمُوقَدِ النِّيرَانِ
وَاللهُ أَخْبَـرَ وَهْوَ أَصْدَقُ قَائِـلٍ
أَنْ لَيْسَ يَنْصُرُ عَبْدَهُ بِأَمَانِـي
مَنْ يَعْمَلِ السُّوأَى سَيُجْزَى مِثْـلَـهَا
أَوْ يَعْمَلِ الحُسْنَى يَفُزْ بِجِنَانِ
هَذِي وَصِيَّـةُ نَاصِحٍ وَلِنَـفْـسِهِ
وَصَّى وَبَعْدُ لِسَائِرِ الإِخْوَانِ