حياكم الله في الموقع الرسمي لمشروع حفاظ السنة على الانترنت

العقيدة الطحاوية

لِأَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ الطَّحَاوِيِّ الحَنَفِيِّ

المُتَوَفَّى سَنَةَ ( 321 هـ ) $

basmalah

قَالَ الإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ $:

هَذَا ذِكْرُ بَيَانِ اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ عَلَى مَذْهَبِ فُقَهَاءِ المِلَّةِ:

أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ الكُوفِيِّ. وَأَبِي يُوسُفَ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الأَنْصَارِيِّ. وَأَبِي عَبْـدِ اللَّهِ مُحَمَّـدِ بْنِ الحَسَـنِ الشَّيْبَـانِـيِّ -رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ-.

وَمَا يَعْتَقِدُونَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، وَيَدِينُونَ بِهِ لِرَبِّ العَالَمِينَ.

نَقُولُ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ، مُعْتَقِدِينَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ:

إِنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ.

وَلَا شَيْءَ مِثْلُهُ.

وَلَا شَيْءَ يُعْجِزُهُ.

وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ.

قَدِيمٌ بِلَا ابْتِدَاءٍ(1)، دَائِمٌ بِلَا انْتِهَاءٍ(2).

لَا يَـفْنَى وَلَا يَبِيدُ.

وَلَا يَكُونُ إِلَّا مَا يُرِيدُ.

لَا تَبْلُغُهُ الأَوْهَامُ.

وَلَا تُدْرِكُهُ الأَفْهَامُ.

وَلَا يُشْبِهُ الأَنَامَ.

خَالِقٌ بِلَا حَاجَةٍ.

رَازِقٌ بِلَا مُؤْنَةٍ.

مُمِيتٌ بِلَا مَخَافَةٍ.

بَاعِثٌ بِلَا مَشَقَّةٍ.

مَـا زَالَ بِصِفَـاتِـهِ قَـدِيماً قَـبْلَ خَـلْقِـهِ، لَـمْ يَـزْدَدْ بِكَـوْنِـهِمْ شَيْـئاً لَمْ يَـكُـنْ قَـبْـلَـهُمْ مِنْ صِـفَـاتِــهِ.

وَكَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيّـاً، كَذَلِكَ لَا يَزَالُ عَلَيْـهَا أَبَدِيّـاً.

لَيْسَ مُنْذُ خَلَقَ الخَلْقَ اسْتَفَادَ اسْمَ الخَالِقِ، وَلَا بِإِحْدَاثِهِ البَرِيَّةَ اسْتَفَادَ اسْمَ البَارِي.

لَهُ مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ وَلَا مَرْبُوبَ، وَمَعْنَى الخَالِقِ وَلَا مَخْلُوقَ.

وَكَمَا أَنَّهُ مُحْيِـي المَوْتَى بَعْدَمَا أَحْيَـا، اسْتَحَقَّ هَذَا الِاسْمَ قَبْلَ إِحْيَائِهِمْ، كَذَلِكَ اسْتَحَقَّ اسْمَ الخَالِقِ قَبْلَ إِنْشَائِهِمْ.

ذَلِكَ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

وَكُلُّ شَيْءٍ إِلَيْهِ فَقِيرٌ.

وَكُلُّ أَمْرٍ عَلَيْهِ يَسِيرٌ.

لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ.

﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].

خَلَقَ الخَلْقَ بِعِلْمِهِ، وَقَدَّرَ لَهُمْ أَقْدَاراً، وَضَرَبَ لَهُمْ آجَالاً.

لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِهِمْ قَبْلَ أَنْ خَلَقَهُمْ، وَعَلِمَ مَا هُمْ عَامِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ.

وَأَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ.

وَكُلُّ شَيْءٍ يَجْرِي بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَمَشِيئَتُهُ تَنْفُذُ.

لَا مَشِيئَةَ لِلْعِبَادِ إِلَّا مَا شَاءَ لَهُمْ، فَمَا شَاءَ لَهُمْ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.

يَهْدِي مَـنْ يَـشَـاءُ وَيَعْـصِمُ وَيُعَـافِـي فَضْـلاً، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَخْذُلُ وَيَبْتَلِي عَدْلاً.

وَكُلُّهُمْ يَتَقَلَّبُونَ فِي مَشِيئَتِهِ بَيْنَ فَضْلِهِ وَعَدْلِهِ.

لَا رَادَّ لِقَضَائِهِ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا غَالِبَ لِأَمْرِهِ.

آمَنَّا بِذَلِكَ كُلِّهِ، وَأَيْقَنَّا أَنَّ كُلّاً مِنْ عِنْدِهِ.

وَإِنَّ مُحَمَّداً ﷺ عَبْدُهُ المُصْطَفَى، وَنَبِيُّـهُ المُجْتَـبَى، وَرَسُولُـهُ المُرْتَضَى.

وَإِنَّـهُ خَـاتَمُ الأَنْبِيَـــاءِ.

وَإِمَـامُ الأَتْقِيَـــاءِ.

وَكُلُّ دَعْوَةِ نُبُوَّةٍ بَعْدَ نُبُـوَّتِهِ فَغَيٌّ وَهَوىً.

وَهُوَ المَبْعُوثُ إِلَى عَامَّـةِ الجِنِّ وَكَافَّةِ الوَرَى بِالحَقِّ وَالهُدَى.

وَإِنَّ القُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى، مِنْهُ بَدَأَ بِلَا كَيْفِيَّـةٍ قَوْلاً، وَأَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ وَحْياً، وَصَدَّقَهُ المُؤْمِنُونَ عَلَى ذَلِكَ حَقّاً، وَأَيْـقَـنُـوا أَنَّـــهُ كَـــلَامُ اللَّهِ تَعَالَى بِالحَقِيـقَـةِ، وَلَـيْسَ بِمَخْلُوقٍ كَكَلَامِ البَرِيَّـةِ؛ فَمَنْ سَمِعَـهُ وَزَعَمَ أَنَّهُ كَلَامُ البَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ، وَقَدْ ذَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَابَـهُ، وَأَوْعَـدَهُ عَذَابَـهُ، حَيْثُ قَـالَ تَعَالَى: ﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَر [المدثر:26].

فَلَمَّا أَوْعَدَ اللَّهُ سَقَــرَ لِمَنْ قَـالَ: ﴿ إِنْ هَٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ[المدثر:25]؛ عَلِمْنَا أَنَّهُ قَوْلُ خَالِقِ البَشَرِ، وَلَا يُشْبِهُ قَوْلَ البَشَرِ.

وَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِمَعْنىً مِنْ مَعَانِي البَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ.

فَمَنْ أَبْصَرَ هَذَا اعْتَـبَـرَ، وَعَنْ مِثْلِ قَوْلِ الكُفَّارِ انْزَجَرَ، وَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِصِفَاتِهِ لَيْسَ كَالبَشَرِ.

وَالرُّؤْيَةُ حَقٌّ لِأَهْلِ الجَنَّةِ بِغَيْرِ إِحَاطَةٍ وَلَا كَيْفِيَّـةٍ، كَمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ رَبِّـنَا: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:23]، وَتَـفْسِـيـرُهُ عَلَى مَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلِمَهُ.

وَكُـلُّ مَـا جَـاءَ فِـي ذَلِـكَ مِـنَ الحَدِيـثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَعْنَاهُ عَلَى مَا أَرَادَ، لَا نَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مُتَأَوِّلِينَ بِآرَائِنَا، وَلَا مُتَوَهِّمِينَ بِأَهْوَائِنَا.

فَإِنَّهُ مَـا يَسْلَـمُ فِـي دِينِـهِ إِلَّا مَنْ سَلَّـمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلِـرَسُولِهِ ﷺ، وَرَدَّ عِلْـمَ مَـا اشْتَـبَـهَ عَلَيْهِ إِلَى عَالِمِهِ.

وَلَا يَـثْـبُتُ قَدَمُ الإِسْلَامِ إِلَّا عَلَى ظَهْرِ التَّسْلِيمِ وَالاِسْتِسْلَامِ.

فَمَنْ رَامَ عِلْمَ مَا حُظِـرَ عَنْهُ عِلْمُهُ، وَلَمْ يَقْنَعْ بِالتَّسْلِيمِ فَهْمُهُ؛ حَجَبَـهُ مَرَامُهُ عَنْ خَالِصِ التَّوْحِيدِ، وَصَافِي المَعْرِفَةِ، وَصَحِيحِ الإِيمَانِ، فَيَـتَـذَبْـذَبُ بَـيْـنَ الكُـفْـرِ وَالإِيمَانِ، وَالتَّصْدِيقِ وَالتَّـكْذِيبِ، وَالإِقْـرَارِ وَالإِنْكَارِ، مُوَسْوِساً تَائِهاً، شَاكّاً زَائِغاً، لَا مُؤْمِناً مُصَدِّقاً، وَلَا جَاحِداً مُكَذِّباً.

وَلَا يَصِحُّ الإِيمَانُ بِالرُّؤْيةِ لِأَهْلِ دَارِ السَّلَامِ لِمَنِ اعْتَـبَـرَهَا مِنْهُمْ بِوَهْمٍ، أَوْ تَأَوَّلَـهَا بِفَهْـمٍ؛ إِذْ كَـانَ تَأْوِيـلُ الرُّؤْيَـةِ وَتَـأْوِيـلُ كُلِّ مَعْنىً يُضَافُ إِلَى الرُّبُوبِيَّةِ: تَـرْكَ التَّأْوِيلِ وَلُزُومَ التَّسْلِيمِ، وَعَلَيْهِ دِينُ المُرْسَلِينَ.

وَمَنْ لَمْ يَـتَـوَقَّ النَّـفْيَ وَالتَّشْبِيهَ زَلَّ، وَلَـمْ يُصِبِ التَّـنْـزِيـهَ، فَإِنَّ رَبَّـنَــا -جَلَّ وَعَلَا- مَوْصُـوفٌ بِصِفَــاتِ الوَحْدَانِيَّــــةِ، مَنْـعُـــوتٌ بِنُـعُــوتِ الفَرْدَانِيَّـةِ، لَيْسَ فِي مَعْنَـاهُ أَحَدٌ مِنَ البَرِيَّـةِ.

تَعَالَى عَنِ الحُدُودِ وَالغَايَاتِ، وَالأَرْكَانِ وَالأَعْضَاءِ وَالأَدَوَاتِ، لَا تَحْوِيهِ الجِهَاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ المُبْتَدَعَاتِ(3).

وَالمِعْرَاجُ حَقٌّ، وَقَدْ أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ ﷺ وَعُرِجَ بِشَخْصِهِ فِي اليَـقَظَةِ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ إِلَى حَيْـثُ شَـاءَ اللَّهُ مِـنَ العُـــلَا، وَأَكْـرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا شَاءَ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ مَا أَوْحَى.

وَالحَــوْضُ الَّذِي أَكْـرَمَـهُ اللَّهُ تَعَـالَى بِــهِ غِيَاثـاً لِأُمَّـتِـهِ حَـقٌّ.

وَالشَّفَـاعَـةُ الَّتِي ادَّخَرَهَا لَـهُمْ حَقٌّ، كَمَا رُوِيَ فِي الأَخْبَارِ.

وَالمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَذُرِّيَّـتِـهِ حَـقٌّ.

وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ فِيمَا لَمْ يَزَلْ عَدَدَ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ وَعَدَدَ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ جُمْلَةً وَاحِدَةً، فَلَا يُزَادُ فِي ذَلِكَ العَدَدِ، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ.

وَكَذَلِكَ أَفْعَالَهُمْ فِيمَا عَلِمَ مِنْهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ.

وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، وَالأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ.

وَالسَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ بِقَضَاءِ اللَّهِ، وَالشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ بِقَضَاءِ اللَّهِ.

وَأَصْلُ القَدَرِ: سِرُّ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ.

وَالتَّعَمُّقُ وَالنَّظَـرُ فِي ذَلِكَ ذَرِيعَةُ الخِذْلَانِ، وَسُلَّمُ الحِرْمَانِ، وَدَرَجَةُ الطُّغْيَانِ؛ فَالحَـذَرَ كُلَّ الحَذَرِ مِنْ ذَلِكَ نَظَراً وَفِكْراً وَوَسْوَسَةً، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَوَى عِلْمَ القَدَرِ عَنْ أَنَامِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ مَرَامِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]، فَمَنْ سَأَلَ: لِمَ فَعَلَ؟ فَقَدْ رَدَّ حُكْمَ الكِتَابِ.

وَمَنْ رَدَّ حُكْمَ الكِتَابِ كَانَ مِنَ الكَافِرِينَ.

فَهَذَا جُمْلَةُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مَنْ هُوَ مُنَوَّرٌ قَلْبُهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ دَرَجَةُ الرَّاسِخِيـنَ فِي العِلْـمِ؛ لِأَنَّ العِلْـمَ عِلْمَـانِ: عِلْمٌ فِي الخَـلْـقِ مَوْجُـودٌ، وَعِلْـمٌ فِي الخَلْـقِ مَفْقُـودٌ(4)، فَإِنْكَارُ العِلْـمِ المَوْجُـودِ كُفْـرٌ، وَادِّعَـاءُ العِلْمِ المَفْقُـودِ كُفْـرٌ؛ وَلَا يَصِحُّ الإِيمَانُ إِلَّا بِقَبُولِ العِلْمِ المَوْجُودِ، وَتَرْكِ طَلَبِ العِلْمِ المَفْقُودِ.

وَنُؤْمِنُ بِاللَّوْحِ وَالقَلَمِ، وَجَمِيعُ مَا فِيهِ قَدْ رُقِـمَ.

فَلَـوِ اجْتَمَعَ الخَلْـقُ كُـلُّـهُمْ عَـلَى شَيْءٍ كَـتَـبَـهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ أَنَّهُ كَائِـنٌ لِيَجْعَلُوهُ غَيْـرَ كَائِنٍ: لَمْ يَـقْدِرُوا عَلَيْهِ.

وَلَوِ اجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى شَيْءٍ كَـتَـبَـهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ كَائِنٍ لِيَجْعَلُوهُ كَائِناً: لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ.

جَفَّ القَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ.

وَمَا أَخْطَأَ العَبْدَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَـهُ، وَمَا أَصَابَـهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَـهُ.

وَعَلَى العَبْدِ: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَبَقَ عِلْمُهُ فِي كُلِّ كَائِنٍ مِنْ خَلْقِهِ، فَقَدَّرَ ذَلِكَ بِمَشِيئَتِهِ تَقْدِيراً مُحْكَماً مُبْرَماً، لَيْسَ فيه نَاقِضٌ وَلَا مُعَقِّبٌ، وَلَا مُزِيلٌ وَلَا مُغَيِّرٌ وَلَا مُحَوِّلٌ، وَلَا زَائِدٌ وَلَا نَاقِصٌ مِنْ خَلْقِهِ فِي سَمَوَاتِهِ وَأَرْضِهِ، وَذَلِكَ مِنْ عَقْدِ الإِيمَانِ وَأُصُولِ المَعْرِفَةِ.

وَالِاعْتِرَافُ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان:2]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَكَانَ أمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا [الأحزاب:38]، فَوَيْـلٌ لِمَنْ صَارَ لِلَّهِ فِي القَـدَرِ خَصِيماً، وَأَحْضَرَ لِلنَّظَرِ فِيهِ قَلْباً سَقِيماً، لَقَدِ الْتَمَسَ بِوَهْمِهِ فِي فَحْصِ الغَيْبِ سِرّاً كَتِيماً، وَعَادَ بِمَا قَالَ أَفَّاكاً أَثِيماً.

وَالعَرْشُ وَالكُرْسِيُّ حَـقٌّ، كَمَا بَـيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ.

وَهُوَ -جَلَّ جَلَالُهُ- مُسْتَغْنٍ عَنِ العَرْشِ وَمَا دُونَهُ.

مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وَفَوْقَهُ.

وَقَدْ أَعْجَزَ عَنِ الإِحَاطَةِ خَلْقَهُ.

وَنَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَـلِـيـلاً، وَكَـلَّـمَ مُـوسَـى تَـكْـلِيـماً؛ إِيـمَـانـاً وَتَصْدِيـقاً وَتَسْلِيـماً.

وَنُؤْمِنُ بِالمَلَائِكَةِ، وَالنَّبِيِّينَ، وَالكُتُبِ المُنْزَلَةِ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَنَشْهَدُ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الحَقِّ المُبِينِ.

وَنُسَمِّي أَهْلَ قِبْلَتِنَا مُسْلِمِينَ مُؤْمِنِينَ، مَا دَامُوا بِمَا جَـاءَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ مُعْتَرِفِينَ، وَلَهُ بِكُلِّ مَا قَالَ وَأَخْبَـرَ مُصَدِّقِينَ.

وَلَا نَخُوضُ فِي اللَّهِ، وَلَا نُمَارِي فِي الدِّينِ.

وَلَا نُجَادِلُ فِي القُرْآنِ، وَنَعْلَمُ أَنَّهُ كَلَامُ رَبِّ العَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ، فَعَلَّمَهُ سَيِّدَ المُرْسَلِينَ مُحَمَّداً ﷺ.

وَكَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُسَاوِيهِ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ المَخْلُوقِينَ، وَلَا نَقُولُ بِخَلْقِهِ.

وَلَا نُخَالِفُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ.

وَلَا نُكَفِّرُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ القِبْلَةِ بِذَنْبٍ(5) مَا لَمْ يَسْتَحِلُّهُ.

وَلَا نَقُولُ: لَا يَضُرُّ مَعَ الإِيمَانِ ذَنْبٌ لِمَنْ عَمِلَهُ.

وَنَرْجُـو لِلْمُحْسِنِـينَ مِنَ المُؤْمِنِـيـنَ، وَلَا نَـأْمَـنُ عَـلَـيْـهِـمْ، وَلَا نَـشْـهَـدُ لَـهُمْ بِـالـجَـنَّـةِ. وَنَسْتَـغْفِرُ لِمُسِيـئِـهِمْ، وَنَخَـافُ عَلَـيْـهِمْ، وَلَا نُقَـنِّطُـهُمْ.

وَالأَمْنُ وَالإِيَاسُ يَنْقُلَانِ عَنِ المِلَّةِ، وَسَبِيلُ الحَقِّ بَيْنَهُمَا لِأَهْلِ القِبْلَةِ.

وَلَا نُخْرِجُ العَبْدَ مِنَ الإِيمَانِ إِلَّا بِجُحُودِ مَا أَدْخَلَهُ فِيهِ(6).

وَالإِيمَانُ: هُوَ الإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ، وَالتَّصْدِيقُ بِالجَنَانِ(7).

وَإِنَّ جَمِيعَ مَـا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي القُرْآنِ، وَجَمِيعَ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الشَّرْعِ وَالبَـيَانِ، كُلُّهُ حَقٌّ.

وَالإِيمَانُ وَاحِدٌ، وَأَهْلُهُ فِي أَصْلِهِ سَــوَاءٌ(8)، وَالتَّـفَـاضُلُ بَـيْـنَـهُمْ بِـالـتَّـقْـوَى، وَمُخَالَـفَـةِ الهَـوَى.

وَالمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ أَوْلِيَاءُ الرَّحْمَنِ، وَأَكْرَمُهُمْ: أَطْوَعُهُمْ وَأَتْبَعُهُمْ لِلْقُرْآنِ.

وَإِنَّ الإِيمَانَ هُوَ: الإِيمَانُ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ، مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَنَحْنُ مُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ كُلِّهِ، لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَـدٍ مِنْ رُسُلِهِ، وَنُصَدِّقُـهُمْ كُلَّـهُمْ عَلَى مَا جَاؤُوا بِهِ.

وَأَهْلُ الكَبَائِرِ؛ فِي النَّارِ لَا يُخَلَّدُونَ إِذَا مَاتُوا وَهُمْ مُوَحِّـدُونَ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا تَائِبِينَ، بَعْدَ أَنْ لَقُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُؤْمِنِينَ، وَهُـمْ فِـي مَشِيئَـتِـهِ وَحُكْمِـهِ، إِنْ شَاءَ غَفَـرَ لَـهُمْ وَعَـفَـا عَنْـهُمْ بِفَضْلِـهِ، كَمَا ذَكَـرَ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: ﴿ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ [النساء:116،48]، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ فِي النَّارِ بِقَدَرِ جِنَايَاتِهِمْ بِعَدْلِهِ، ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ مِنْهَا بِرَحْمَتِهِ وَشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ، ثُمَّ يَبْعَثُهُمْ إِلَى جَنَّـتِـهِ.

ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَوْلَى أَهْلِ مَعْرِفَتِهِ، وَلَـمْ يَجْعَلْـهُمْ فِي الدَّارَيْـنِ كَأَهْـلِ نُـكْرَتِـهِ، الَّذِيـنَ خَـابُـوا مِنْ هِدَايَـتِـهِ، وَلَمْ يَـنَـالُوا مِنْ وَلَايَـــتِــــهِ.

اللَّهُمَّ -يَا وَلِيَّ الإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ- مَسِّكْنَا بِالإِسْلَامِ حَتَّى نَلْقَاكَ بِهِ.

وَنَرَى الصَّلَاةَ خَلْفَ كُلِّ بَـرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ القِبْلَةِ، وَعَلَى مَنْ مَاتَ مِنْـهُمْ.

وَلَا نُنْزِلُ أَحَداً مِنْهُمْ جَنَّـةً وَلَا نَـاراً، وَلَا نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِكُفْرٍ وَلَا بِشِرْكٍ وَلَا بِنِفَاقٍ، مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَنَذَرُ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.

وَلَا نَـرَى السَّيْفَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ؛ إِلَّا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ السَّيْفُ.

وَلَا نَرَى الخُرُوجَ عَلَى أَئِمَّتِنَا وَوُلَاةِ أُمُورِنَا وَإِنْ جَارُوا، وَلَا نَدْعُوا عَلَيْهِمْ، وَلَا نَنْزِعُ يَداً مِنْ طَاعَتِهِمْ، وَنَرَى طَاعَتَهُمْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَرِيضَةً، مَا لَمْ يَأْمُرُونَا بِمَعْصِيَةٍ، وَنَدْعُوا لَـهُمْ بِالصَّلَاحِ وَالمُعَافَاةِ.

وَنَـتَّـبِـعُ السُّـنَّـةَ وَالجَمَـاعَـةَ.

وَنَـجْـتَـنِـبُ الشُّذُوذَ وَالخِلَافَ وَالفُرْقَةَ.

وَنُحِبُّ أَهْلَ العَدْلِ وَالأَمَانَةِ، وَنُبْغِضُ أَهْلَ الجَوْرِ وَالخِيَانَةِ.

وَنَقُولُ: اللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَا اشْتَـبَهَ عَلَيْـنَا عِلْمُهُ.

وَنَـرَى المَسْحَ عَلَى الخُفَّيْنِ فِـي السَّـفَـرِ وَالحَضَـرِ، كَمَا جَـاءَ فِـي الأَثَـــرِ.

وَالحَجُّ وَالجِهَـادُ فَرْضَانِ مَاضِيَـانِ مَـعَ أُولِـي الأَمْـرِ مِـنْ أَئِمَّـةِ المُسْلِمِيـنَ -بَـرِّهِـمْ وَفَاجِرِهِمْ- إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، لَا يُبْطِلُهُمَا شَــيْءٌ وَلَا يَـنْـقُـضُهُمَــا.

وَنُؤْمِنُ بِالكِرَامِ الكَاتِبِينَ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَهُمْ عَلَيْنَا حَافِظِينَ.

وَنُؤْمِنُ بِمَلَكِ المَوْتِ، المُوَكَّلِ بِقَبْضِ أَرْوَاحِ العَالَمِينَ.

وَبِعَذَابِ القَبْرِ لِمَنْ كَانَ لَهُ أَهْلاً، وَسُؤَالِ مُنْكَـرٍ وَنَـكِيرٍ لِلْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ عَنْ رَبِّـهِ وَدِينِـهِ وَنَبِيِّـهِ، عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الأَخْبَـارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَعَنْ أَصْحَابِهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ-.

وَالقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ.

وَنُؤْمِنُ بِالبَعْثِ وَجَزَاءِ الأَعْمَالِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَالعَرْضِ وَالحِسَابِ، وَقِرَاءَةِ الكِتَابِ، وَالثَّوَابِ وَالعِقَابِ، وَالصِّرَاطِ وَالمِيزَانِ.

وَالجَنَّةُ وَالنَّارُ مَخْلُوقَتَانِ، لَا تَفْنَـيَانِ أَبَـداً وَلَا تَبِيدَانِ.

وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الجَنَّةَ وَالنَّارَ قَبْلَ الخَلْـقِ، وَخَلَـقَ لَـهُمَا أَهْلاً، فَمَنْ شَاءَ مِنْـهُمْ لِلْجَنَّةِ فَضْلاً مِنْهُ، وَمَنْ شَاءَ مِنْـهُمْ لِلنَّارِ عَدْلاً مِنْهُ.

وَكُلٌّ يَعْمَلُ لِمَا قَدْ فُرغَ مِنْهُ، وَصَائِرٌ إِلَى مَا خُلِقَ لَهُ.

وَالخَيْرُ وَالشَّرُّ مُقَدَّرَانِ عَلَى العِبَادِ.

وَالِاسْتِطَاعَـةُ ضَرْبَـانِ: أَحَدُهُمَا: الِاسْتِـطَـاعَـةُ الَّتِـي يَـجِبُ بِـهَـا الفِعْلُ -مِنْ نَحْوِ التَّوْفِيقِ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ المَخْلُوقُ بِهِ-: فَهِيَ مَعَ الفِعْلِ، وَأَمَّا الِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الصِّحَّةِ وَالوُسْعِ، وَالتَّمَكُّنِ وَسَلَامَةِ الآلَاتِ: فَهِيَ قَبْلَ الفِعْلِ، وَبِهَا يَـتَعَلَّقُ الخِطَابُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].

وَأَفْعَالُ العِبَادِ: خَلْقُ اللَّهِ، وَكَسْبٌ مِنَ العِبَادِ.

وَلَمْ يُكَلِّفْهُمُ اللَّهُ إِلَّا مَا يُطِيقُونَ، وَلَا يُطِيقُونَ إِلَّا مَا كَلَّفَهُمْ بِهِ(9)، وَهُوَ تَفْسِيرُ: «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ»، نَقُولُ: لَا حِيلَةَ لِأَحَدٍ، وَلَا حَرَكَةَ لِأَحَدٍ، وَلَا تَحَوُّلَ لِأَحَدٍ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ؛ إِلَّا بِمَعُونَةِ اللَّهِ، وَلَا قُوَّةَ لِأَحَدٍ عَلَى إِقَامَةِ طَاعَةِ اللَّهِ وَالثَّبَاتِ عَلَيْهَا؛ إِلَّا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ.

وَكُلُّ شَيْءٍ يَجْـرِي بِمَشِيئَـةِ اللَّهِ وَعِلْمِـهِ وَقَضَائِـهِ وَقَدَرِهِ، فَغَلَـبَتْ مَشِيئَـتُهُ المَشِيئَاتِ كُلَّهَا، وَغَلَبَ قَضَاؤُهُ الحِيَلَ كُلَّهَا.

يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ، وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ أَبَداً ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23].

وَفِـي دُعَـاءِ الأَحْيـَاءِ وَصَدَقَـاتِهِمْ: مَنْفَعَـةٌ لِلْأَمْـوَاتِ.

وَاللَّهُ يَـسْـتَـجِـيـبُ الدَّعَـوَاتِ، وَيَـقْـضِـي الحَاجَـاتِ.

وَيَمْلِكُ كُـلَّ شَيْءٍ، وَلَا يَمْلِـكُهُ شَـيْءٌ.

وَلَا غِنَى عَنِ اللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَمَنِ اسْتَغْنَى عَنِ اللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ؛ فَقَـدْ كَفَرَ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الحَيْنِ.

وَاللَّهُ يَغْضَبُ وَيَرْضَى، لَا كَأَحَدٍ مِنَ الوَرَى.

وَنُحِبُّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَلَا نُفْرِطُ فِي حُبِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلَا نَتَـبَـرَّأُ مِنْ أَحَدٍ مِنْـهُمْ.

وَنُبْغِضُ مَنْ يُبْغِضُهُمْ، وَبِغَيْرِ الخَيْرِ يَذْكُـرُهُمْ، وَلَا نَذْكُـرُهُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ.

وَحُبُّـهُمْ: دِينٌ وَإِيمَانٌ وَإِحْسَانٌ.

وَبُغْضُهُمْ: كُفْرٌ وَنِفَاقٌ وَطُغْيَانٌ.

وَنُثْبِتُ الخِلَافَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَوَّلاً لِأَبِي بَـكْرٍ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- تَفْضِيلاً لَهُ، وَتَقْدِيماً عَلَى جَمِيعِ الأُمَّـةِ، ثُمَّ لِعُمَرَ بْنِ الخَـطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ، ثُمَّ لِعُثْمَـانَ بْنِ عَفَّانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ، ثُمَّ لِعَليِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ، وَهُمُ الخُلَفَـاءُ الرَّاشِـدُونَ وَالأَئِمَّـةُ المَهْدِيُّونَ.

وَإِنَّ العَشَرَةَ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، نَشْهَدُ لَهُمْ بِالجَنَّةِ عَلَى مَا شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ -وَقَوْلُهُ الحَقُّ-.

وَهُـمْ: أَبُـــو بَـكْـرٍ، وَعُـمَـرُ، وَعُـثْـمَـانُ، وَعَلِـيٌّ، وَطَلْحَـةُ، وَالزُّبَـيْـرُ، وَسَعْـدٌ، وَسَعِيـدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْـنُ عَـوْفٍ، وَأَبُـــو عُبَـيْـدَةَ بْـنُ الجَرَّاحِ -وَهُوَ أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ-، رَضِيَ اللَّهُ عَـنْـهُـمْ أَجْمَعِـيـنَ.

وَمَنْ أَحْسَنَ القَوْلَ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأَزْوَاجِهِ، وَذُرِّيَّاتِهِ؛ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ النِّـفَاقِ.

وَعُلَمَاءُ السَّلَفِ مِنَ السَّابِقِينَ والتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الخَبَـرِ وَالأَثَـــرِ، وَأَهْـلِ الفِقْهِ وَالنَّظَرِ، لَا يُذْكَـرُونَ إِلَّا بِالجَمِيلِ، وَمَنْ ذَكَـرَهُمْ بِسُوءٍ فَهُوَ عَلَى غَيْرِ السَّبِيلِ.

وَلَا نُفَضِّلُ أَحَـداً مِنَ الأَوْلِيَـاءِ عَلَـى أَحَدِ الأَنْبِيَاءِ، وَنَقُولُ: نَبِيٌّ وَاحِدٌ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ.

وَنُؤْمِنُ بِمَا جَاءَ مِنْ كَرَامَاتِهِمْ، وَصَحَّ عَنِ الثِّقَاتِ مِنْ رِوَايَاتِهِمْ.

وَنُؤْمِنُ بِخُرُوجِ الدَّجَّالِ، وَنُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنَ السَّمَاءِ.

وَنُؤْمِـنُ بِطُـلُـوعِ الشَّمْـسِ مِـنْ مَغْرِبِـهـا، وَخُرُوجِ دَابَّــةِ الأَرْضِ مِنْ مَوْضِعِهَا.

وَلَا نُصَـدِّقُ كَاهِنـاً، وَلَا عَـرَّافاً.

وَلَا مَنْ يَدَّعِي شَيْئاً بِخِلَافِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الأُمَّــــةِ.

وَنَــرَى الجَـمَـاعَــةَ حَـقّـاً وَصَـوَابــاً، وَالفُـرْقَــةَ زَيْـغـاً وَعَـذَابـاً.

وَدِينُ اللَّهِ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَاحِدٌ، وَهُوَ دِينُ الإِسْلَامِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا[المائدة:3].

وَهُوَ بَيْنَ الغُلُـوِّ وَالتَّقْصِيرِ، وَبَـيْنَ التَّشْبِيـهِ وَالتَّعْطِيلِ.

وَبَيْنَ الجَبْرِ وَالقَدَرِ، وَبَيْنَ الأَمْنِ وَاليَأْسِ.

فَهَذَا دِينُنَا وَاعْتِقَادُنَا ظَاهِراً وَبَاطِناً.

وَنَحْـنُ بُـرَآءُ إِلَى اللَّهِ مِـنْ كُـلِّ مَـنْ خَالَـفَ الَّذِي ذَكَـرْنَـاهُ وَبَـيَّـنَّـاهُ.

وَنَـسْــأَلُ اللَّـهَ تَـعَـالَـى أَنْ يُـثَـبِّـتَـنَا عَـلَـى الإِيمَانِ، وَيَخْتِمَ لَـنَا بِهِ، وَيَعْصِمَنَا مِنَ الأَهْوَاءِ المُخْتَلِفَةِ، وَالآرَاءِ المُتَفَرِّقَةِ، وَالمَذَاهِبِ الرَّدِيَّةِ -مِثْلِ: المُشَبِّهَةِ، وَالجَهْمِيَّةِ، وَالجَبْرِيَّةِ وَالقَدَرِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ- مِـنَ الَّذِيـنَ خَـالَـفُـوا الجَمَــاعَـةَ، وَحَالَـفُوا الضَّلَالَـةَ.

وَنَحْنُ مِنْـهُمْ بُـرَآءُ، وَهُمْ عِنْـدَنَا ضُلَّالٌ أَرْدِيَــاءُ.

وَاللَّـهُ أَعْلَـمُ بِالصَّـوَابِ، وَإِلَيْـهِ المَرْجِـعُ وَالمَـآبُ.

__________________________

(1) «قَدِيمٌ بِلَا ابْتِدَاءٍ» هَذَا اللَّفْظُ لَمْ يَرِدْ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ الحُسْنَى، وَيُغْنِي عَنْهُ اسْمُهُ سُبْحَانَهُ: «الأَوَّلُ»، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ [الحديد:3].

(2)  «الدَّائِمُ» لَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، وَيُغْنِي عَنْهُ اسْمُهُ سُبْحَانَهُ: «الآخِرُ».

(3)  هَذَا مِنَ الأَلْفَاظِ المُجْمَلَةِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ بِهَا الشَّرْعُ، وَلَعَلَّ المُؤَلِّفَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ:

«الحُدُودِ» أَيِ: الَّتِي يَعْلَمُهَا البَشَرُ.

«وَالغَايَاتِ»: تَنْزِيهٌ لِلَّهِ عَنْ مُشَابَهَةِ المَخْلُوقَاتِ فِي حِكْمَتِهِ.

«وَالأَرْكَانِ وَالأَعضَاءِ وَالأَدَوَاتِ»: تَنْزِيهُ اللَّهِ عَنْ مُشَابَهَةِ المَخْلُوقَاتِ فِي صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ.

وَ«لَا تَحْوِيهِ الجِهَاتُ السِّتُّ»: أَيِ: السِّتُّ المَخْلُوقَةُ، وَلَيْسَ المُرَادُ: نَفْيَ عُلُوِّ اللَّهِ وَاسْتِوَاءِهِ.

(4)  مُرَادُهُ $ بِـ «العِلْمِ المَفْقُودِ»: عِلْمُ الغَيْبِ.

(5)  مِنَ الكَبَائِرِ فَمَا دُونَهَا.

(6)  هَذَا الحَصْرُ فِيهِ نَظَرٌ، فَالعَبْدُ يَخْرُجُ مِنَ الإِسْلَامِ بِجُحُودِ الشَّهَادَتَيْنِ، وَيَخْرُجُ أَيْضاً مِنَ الإِسْلَامِ بِغَيْرِ جُحُودِ الشَّهَادَتَيْنِ -كَالِاسْتِهْزَاءِ بِالدِّينِ-.

(7)  الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ: أَنَّ الإِيمَانَ قَوْلٌ، وَعَمَلٌ، وَاعْتِقَادٌ، يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالمَعْصِية، وَإِخْرَاجُ العَمَلِ مِنَ الإِيمَانِ قَوْلُ المُرْجِئَةِ.

(8)  لَيْسَ أَهْلُهُ فِيهِ سَوَاءٌ، بَلْ هُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِيهِ تَفَاوُتاً عَظِيماً، فَلَيْـسَ إِيمَـانُ الرُّسُـلِ كَإِيمَـانِ غَـيْـرِهِـمْ، وَلَيْسَ إِيمَانُ المُؤْمِنِينَ كَإِيمَانِ الفَاسِقِينَ.

(9)  المُكَلَّفُونَ يُطِيقُونَ أَكْثَرَ مِمَّا كَلَّفَهُمْ بِهِ سُبْحَانَهُ، وَلَكِنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَطَفَ بِعِبَادِهِ وَيَسَّرَ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِمْ فِي دِينِهِمْ حَرَجاً، فَضْلاً مِنْهُ وَإِحْسَاناً.


  • متن العقيدة الطحاوية
  • المستوى:5