حياكم الله في الموقع الرسمي لمشروع حفاظ السنة على الانترنت

القواعد الأربع

لِلْشَّيْخِ الْإِمَامِ الْمُجَدِّدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ

المُتَوَفَّى سَنَةَ ( 1206 هـ ) $

basmalah

أَسْأَلُ اللهَ الْكَرِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ: أَنْ يَتَوَلَّاكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. وَأَنْ يَجْعَلَكَ مُبَارَكاً أَيْنَمَا كُنْتَ.

وَأَنْ يَجْعَلَكَ مِمَّـــنْ إِذَا أُعْطِـيَ شَكَــرَ، وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَـرَ، وَإِذَا أَذْنَبَ اسْتَغْفَرَ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَ عُنْوَانُ السَّعَادَةِ.

اعْلَمْ أَرْشَدَكَ اللهُ لِطَاعَتِهِ: أَنَّ الْحَنِيفِيَّـةَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ، وَحْدَهُ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ وَبِذَلِكَ أَمَرَ اللهُ جَمِيعَ النَّاسِ وَخَلَقَهُمْ لَهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون[الذاريات:56].

فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ اللهَ خَلَقَكَ لِعِبَادَتِهِ؛ فَاعْلَمْ أَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تُسَمَّى عِبَادَةً إِلَّا مَعَ التَّوْحِيدِ، كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُسَمَّى صَلَاةً إِلَّا مَعَ الطَّهَارَةِ.

فَإِذَا دَخَلَ الشِّرْكُ فِي الْعِبَـــادَةِ فَسَـــدَتْ، كَالْحَدَثِ إِذَا دَخَلَ فِي الطَّهَارَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُون[التوبة:17].

فَإِذَا عَرَفْـتَ أَنَّ الشِّـرْكَ إِذَا خَـالَطَ الْعِبَـادَةَ أَفْسَدَهَا، وَأَحْبَطَ الْعَمَلَ، وَصَارَ صَاحِبُهُ مِنَ الْخَالِدِينَ فِي النَّارِ: عَرَفْتَ أَنَّ أَهَمَّ مَا عَلَيْـكَ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُخَلِّصَكَ مِنْ هَذِهِ الشَّبَـكَةِ، وَهِيَ الشِّرْكُ بِاللهِ.

وَذَلِكَ بِمَعْرِفَةِ أَرْبَعِ قَوَاعِدَ ذَكَرَهَا اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ:

القَاعِدَةُ الأُولَى

أَنْ تَعْلَمَ: أَنَّ الْكُفَّارَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ رَسُـولُ اللهِ ﷺ مُـقِـرُّونَ أَنَّ اللهَ هُــوَ الْخَالِقُ، الرَّازِقُ، الْمُحْيِـي، الْمُمِيتُ، الْمُدَبِّـرُ لِجَمِيـعِ الأُمُـورِ، وَلَمْ يُدْخِـلْهُـمْ ذَلـِكَ فِـي الإِسْلَامِ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُون[يونس:31].

القَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ

أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَا دَعَوْنَاهُمْ وَتَوَجَّهْنَا إِلَيْهِمْ، إِلَّا لِطَلَبِ الْقُرْبَـةِ وَالشَّفَاعَـةِ.

فَدَلِيلُ الْقُرْبَةِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّار[الزمر:3].

وَدَلِيلُ الشَّفَاعَةِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون[يونس:18].

وَالشَّفَاعَـةُ شَفَاعَتَـانِ: شَفَاعَـةٌ مَنْفِيَّـةٌ، وَشَفَـاعَـةٌ مُـثْـبَـتَـةٌ.

فَالشَّفَاعَةُ الْمَنْفِيَّةُ: مَا كَانَتْ تُطْلَبُ مِنْ غَيْرِ اللهِ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللهُ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُون[البقرة:254].

وَالشَّفَاعَةُ الْمُثْبَتَةُ: هِيَ الَّتِي تُطْلَبُ مِنَ اللهِ.

وَالشَّافِعُ مُكْرَمٌ بِالشَّفَاعَةِ.

وَالْمَشْفُوعُ لَهُ: مَنْ رَضِيَ اللهُ قَوْلَهُ وَعَمَلَهُ بَعْدَ الإِذْنِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ [البقرة:255].

القَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ

أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ظَهَرَ عَلَى أُنَاسٍ مُتَفَرِّقِينَ فِي عِبَادَاتِهِمْ:

مِـنْـهُـمْ: مَنْ يَعْـبُـدُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ.

وَمِنْهُمْ: مَنْ يَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ.

وَمِنْهُمْ: مَنْ يَعْبُدُ الأَنْبِيَاءَ وَالصَّالِحِينَ.

وَمِنْهُمْ: مَنْ يَعْبُدُ الأَشْجَارَ وَالأَحْجَارَ.

وَقَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمْ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه[الأنفال:39].

فَدَلِيلُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون[فصلت:37].

وَدَلِيلُ الْمَلَائِكَةِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُون * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُون[سبأ:40-41].

وَدَلِيلُ الأَنْبِيَاءِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ [المائدة:116].

وَدَلِيلُ الصَّالِحِينَ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلا * أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا[الإسراء:56-57].

وَدَلِيلُ الأَشْجَـــارِ وَالأَحْـــجَـــارِ؛ قَوْلُــــهُ تَعَالَى: ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى[النجم:19-20]، وَحَدِيثُ أَبِي وَاقِـدٍ اللَّيْثِـيِّ -رضي الله عنه- قَـالَ: خَـرَجْـنَا مَـعَ رَسُـولِ اللهِ ﷺ إِلَى حُـنَيْنٍ وَنَحْـــنُ حُدَثَـــاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ، وَلِلِمُشْرِكِيـــنَ سِـــدْرَةٌ، يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا وَيَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ، يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اللَّهُ أَكْبَـرُ! إِنَّهَا السُّنَـنُ، قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْـسِي بِيَـدِهِ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: ﴿ اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138]».

القَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ

أَنَّ مُشْرِكِـــي زَمَــانِنَا أَغْلَـــظُ شِرْكـــاً مِنَ الأَوَّلِينَ، لِأَنَّ الأَوَّلِينَ يُشْرِكُونَ فِي الرَّخَاءِ، وَيُخْلِصُونَ فِي الشِّدَّةِ، وَمُشْرِكُـــو زَمَانِنَـــا شِرْكُهُمْ دَائِمٌ فِي الرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ.

وَالـدَّلِـيـلُ قَوْلُـهُ تَعَـــالَى: ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُون[العنكبوت:65]. وَاللَّـهُ أَعْلَمُ.


  • القواعد الأربع
  • المستوى:2